مملكة معين

نتحدثُ​​ عن بداياتِ​​ العربِ​​ وممالكهم في شتي الدولِ​​ (قبل أن تُعرف الدول باسمها ومعناها الحالي)​​ كذللك نتحدث عن​​ المناطق التي سكنها العربُ.​​ وقد وجدنا معلوماتِ​​ كثيرةٍ​​ عن هذه المملكة ولكنا لم نجد مصدرا واحدا متكاملا لذا استعنا بعدة مصادرَ​​ بحيثُ​​ نصل إلي موضوع متكامل يخدم القارئ.

أحد التعريفات التي وجدت عن هذه المملكة أنها​​ من أقدم الممالك العربية القديمة في اليمن، ومنطقة شبه الجزيرة العربية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وكان نظام الحكم فيها ملكي وراثي، وكان يُطلق على الملك لقب (مزود) بمعنى المقدس، وكانت التجارة دعامة دولة معين، ولا سيما تجارة البهارات واللبان، أما عن عاصمة هذه المملكة، فكانت مدينة قرناو أو القرن، الواقعة في الوقت الحالي شرق العاصمة اليمنية صنعاء، كما تدل بقايا معبد عشتار على وجود أصحاب هذه المملكة، بالإضافة إلى بعض النقوش والكتابات التي عُثر عليها.

تُعد مملكة معين أقدم الدول العربية، وقد وصلت أخبارها إلى المؤرخين عبر الكتابات المدونة بالمسند والكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية، ولم يرد لها ذكر في المصادر العربية. قامت هذه الدولة في الجوف شرقي صنعاء بين نجران وحضرموت، وعاصمتها مدينة قرنا أو «قرنو»، وهي معين. وعلى الرغم من كثرة النقوش التي وُجدت عن هذه الدولة، فإن معظمها لا يحوي أكثر من أسماء ملوك وأشخاص، وتسجيل بعض الأحداث الشخصية أو الخاصة، ما ترتب عليه اختلاف الباحثين في تحديد تاريخ بداية هذه الدولة وتاريخ انتهائها، والتواريخ المقترحة تتراوح بين القرن الخامس عشر قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، وحدد بعضهم تاريخ الدولة المعينية بين سنتيّ 1300 و650 قبل الميلاد. اشتغل أهل هذه المملكة بالزراعة والتجارة، وكان نظام الحكم فيها ملكيًا وراثيًا، وعرفت مدنها ما يُمكن أن يُسمّى بنظام الحكم المحلي، فكانت لهم مجالس تدير شؤونهم في السلم والحرب تُسمى «مزود». وكان لكل مدينة معبدها الخاص الذي يحوي إلهًا أو أكثر. امتد نفوذ المعينيين إبان قوة دولتهم إلى شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب، وتوسعوا شمالاً واحتكوا بآشور وفينيقيا ومصر، واقتبسوا الأبجدية الفينيقية ودوّنوا لغتهم بها. اندثرت هذه المملكة بعد أن قضى عليها السبئيون.​​ 

من تكون مملكة معين؟

المعينيون أقدم شعب عربي حمل لواء الحضارة، وقد بلغتنا أخبارهم من الكتابات المدونة بالمسند، والكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية. سكنوا منذ أن ظهروا في التاريخ على المسرح السياسي في الجوف بين نجران وحضرموت في أرض خصبة منبسطة، عاصمتها قرناو على ضفة وادي مذاب. عمل أفرادها بالزراعة والتجارة، ثم ما لبثوا أن بسطوا نفوذهم السياسي على المناطق الواقعة شمال الحجاز، معان، وديدان ( العلا)، ومدين، وسيطروا على الطريق التجارية بين الجنوب والشمال؛ لأنهم لم يجدوا وسيلة تضمن لهم الأمن، والسلام، سوى السيطرة على الطريق الوحيدة المعروفة في ذلك الوقت، وفي إقامة المراكز، والمحطات الآهلة ببني قومهم. وكانت هذه​​ الطريق والمراكز المقامة عليها موضع نزاع دائم بينهم وبين معاصريهم السبئيين بسبب المنافسة في التجارة، وقد هاجرت جاليات منهم إلى مصر والجزر اليونانية وغيرها. أما المجتمع المعيني فهو مجتمع طبقي فيه الأرستقراطيون والعبيد، وبين الطبقتين طبقات أخرى. وقد اشتغلوا بالزراعة والتجارة، وكان بعضهم بدواً يرعى الماشية، ويعيش حياة تنقل وارتحال. وهم متدينون يعيرون الدين أهمية كبيرة، وللمرأة بينهم مكانة محترمة ومقام رفيع، وكان للمعينيين آلهة يقيمون لها المعابد، وينحتون لها الأصنام، وعلى رأس تلك الآلهة ثالوث يمثل الزهرة والشمس والقمر. كانت التجارة السبب الأول في ثرائهم؛ لأنهم كانوا يفرضون الضرائب على البضائع التي تمر بها، وكانت هذه الضرائب على ثلاثة أقسام، ضرائب تعود جبايتها لخزانة الدولة العامة أو خزانة الملك، وضرائب خاصة تجبى لمصلحة المعابد الدينية، وأخرى تعود إلى المشايخ والكبراء أوالحكام، وتجبى من سواد الشعب والأفراد. وكان المشايخ والحكام والكبراء يتعهدون عادة جمع الضرائب وتوزيعها حسب العادة، كما كانت المعابد تستفيد - إضافة إلى نصيبها من الضرائب المرسومة ( العشر) - من الهدايا والهبات أو النذور التي تقدم إليها تقربا إلى الآلهة من المتنفذين في الدولة، أو من مجموعات من الشعب أو الأفراد. كما كان للتجارة أثر في امتداد نفوذهم السياسي إلى بلاد كثيرة تقع على الطريق التجارية. فقد ورد ذكرهم في مصر وسورية والعراق، ووجدت نقوش وأختام، ونقود معينية في جنوبي فلسطين، وعلى طول نهر الفرات الأدنى وقد ساعدهم على هذا الانتشار أنهم كانوا يتكلمون لغة هي فرع من فروع لغة عرب الجنوب، وقريبة من الفروع السبئية التي جاءت بعدها وحلت محلها، وهناك من يذهب إلى القول إنهم أول من اخترع الأبجدية وأنها انتقلت من عندهم إلى سيناء، وبلاد الفينيقيين، ومنها إلى اليونان، وبلاد الرافدين، وفي ذلك دليل آخر على مدى الصلات التجارية الوثيقة بين المعينيين وتلك الشعوب القديمة حتى بعد زوال ملكهم، وظلوا يحتفظون بكيانهم ونشاطهم التجاري إلى أن تضاءل أمرهم وضعفوا كل الضعف، وغلبت عليهم البداوة، وحلت محلهم حكومة سبأ.

وطبقا لويكبيديا فإن حكومة معين حكومة ملكية يرأسها حاكم يلقب بلقب "ملك"، غير إن هذه الحكومة وكذلك الحكومات الملكية الأخرى في العربية الجنوبية، جوزت إن يشترك شخص أو شخصان أو ثلاثة مع الملك في حمل لقب "ملك"، إذا كان حامل ذلك اللقب من أقرباء الملك الأدنين، كأن يكون ابنه أو شقيقه. فقد وصلت إلينا جملة كتابات، لقب فيها أبناء الملك أو أشقاؤه بلقب ملك، وذكروا مع الملك في النصوص. ولكننا لم نعثر على كتابات لقب فيها أحد بهذا اللقب، وهو بعيد عن الملك، أي ليس من أقربائه المرتبطين به برابطة الدم. كما إننا لا نجد هذه المشاركة في اللقب في كل الكتابات، وهذا مما حملنا على الظن بأن هذه المشاركة في اللقب، كانت في ظروف خاصة وفي حالات استثنائية، وهذا خصصت بأبناء الملك أو بأشقائه، وهذا أيضاً لم ترد في كل الكتابات، بل وردت في عدد منها هو قلة بالنسبة إلى ما لدينا الآن من نصوص. ولم تبح لنا أية كتابة من الكتابات العربية الجنوبية بسر هذه المشاركة أكانت مجرد مجاملة وحمل لقب، أم كانت مشاركة حقيقية، أي إن الذين اشتركوا معه أيضاً في تولي أعمال الحكم كلية، أو بتولي عمل معين مهن الأعمال، بأن يوكل الملك من يخوله حمل اللقب القيام بوظيفة معينة? ولم تبح لنا تلك الكتابات بأسرار الدوافع التي حملت أولئك الملوك على السماح لأولئك الأشخاص بمشاركتهم في حمل اللقب، أكانت قهرية كأن يكون الملك ضعيفاً مغلوباً على امره، ولهذا يضطر مكرهاً إلى إشراك غيره معه من أقربائه الأدنين لإسناده ولتقوية مركزه، أم كانت برضى من الملك ورغبة منه، فلا إكراه في الموضوع ولا إجبار ?. ويظهر من الكتابات المعينية أيضاً إن الحكم في معين، لم يكن حكماً ملكياً تعسفياً، السلطة الفعلية مركزة في أيدي الملوك، بل كان الحكم فيها معتدلاً استشارياً يستشير الملوك أقربائهم ورجال الدين وسادات القبائل ورؤساء​​ المدن، ثم يبرمون أمرهم، ويصدرون أحكامهم على شكل أوامر ومراسيم تفتتح بأسماء اصنام معين، ثم يذكر اسم الملك، وتعلن كتابة ليطلع عليها الناس. وقد كانت المدن حكومات، لكل مدينة حكومتها الخاصة بها، وهذا كان في استطاعتنا أن نقول إن حكومة معين هي حكومات مدن، كل مدينة فيها حكومة صغيرة لها اصنام خاصة تتسمى ب اسمها، وهيئات دينية، ومجتمع يقال له: "عم"، بمعنى أمة وقوم وجماعة. ولكل مدينة مجلس استشاري يردير شؤونها في السلم وفي الحرب، وهو الذي يفصل فيما يقع بين الناس من خصومات وينظر في شؤون الجماعة "عم". وكان رؤساء القبائل يبنون دوراً، يتخذونها مجالس، يجتمعون فيها لتمضية الوقت وللبت في الأمور وللفصل بين أتباعهم في خلافاتهم، ويسجلون أيام تأسيسها وبنائها، كما يسجلون الترميمات والتحسينات التي يدخلونها على البناية. وتعرف هذه الدور عندهم بلفظة "مزود". ولكل كل مدينة "مزود"، وقد يكون لها جملة "مزاود"، وذلك بأن يكون لشعابها وأقسامها مزاود خاصة بها، للنظر فيما يحدث في ذلك الشعب من خلاف. ويمكن تشبيه المزود بدار الندوة عند أهل مكة، وهي دارة قُصَيّ بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها، يتشاورون فيها في أمور السلم والحرب. وتتألف مملكة معين من مقاطعات، على رأس كل مقاطعة ممثل عن الملك، يعرف عندهم ب "كبر"، أي "الكبير". يظهر إنه كان لا يتدخل إلا في السياسة التي تخص المسائل العليا المتعلقة بحقوق الملك وبشعب معين. ويرد اسم الكبير بعد اسم الملك في النصوص على عادة أهل معين وغيرهم من ذكر اصنامهم أولاً ثم الملوك ثم الكبراء في كتاباتهم التي يدونونها ليطلع عليها الناس. ودخل الحكومة من الضرائب ومن واردات الأرضين الحكومية التي تستغلها أو تؤجرها للناس بجُعل يتفق عليه. أما الضرائب فتؤخذ من التجار والزراع وسائر طبقات الشعب الأخرى، يجمعها المشايخ، مشايخ القبائل والحكام والكبراء بوصفهم الهيئات الحكومية العليا، وبعد إخراج حصصهم يقدمون ما عليهم للملك. وأما الواردات من المصادر الأخرى، مثل تأجير أملاك الدولة، فتكون باتفاق خاص مع المستغل، وبعقد يتفق عليه. ومن الضرائب التي وردت أسماؤها في الكتابات: كتابات العقود ووفاء الضرائب والديون، ضريبة دعيت ب "فرعم"، أي "فرع" وضريبة عرفت ب "عشرم" أي "عشر"، وتؤخذ من عشر الحاصل، فهي "العشر" في الإسلام. وكان للمعابد جبايات خاصة بها، وأرضون واسعة تستغلها، كما كان لها موارد ضخمة من النذور التي تقدم أليها باسم اصنام معين، عند شفاء شخص من مرض ألمّ به، وعند رجوعه سالماً من سفر، وضد عودته صحيحاً من غزو أو حرب، وعند حصول شخص على غلة وافرة من مزارعه أو مكسب كبير من تجاراته، وأمثال ذلك. ولهذا كانت للمعابد ثروات ضخمة وأملاك واسعة ومخازن كبيرة تخزن فيها أموالها. ويعبر عن النذور والهبات التي تقدم إلى المعابد بلفظتي "كبودت" و"اكرب"، "أقرب" أي ما يتقرب به إلى الاصنام. وتدوّن عادة في كتابات تعلن للناس، يذكر فيها اسم المتبرع الواهب واسم الصنم أو الاصنام التي نذر لها، واسم المعبد، كما تعلن المناسبة، وتستعمل بعض الجمل والعبارات الخاصة التي تتحدث عن تلك المناسبات مثل: "يوم وهب" و"بذماد بن يدهس"، أي "بذات يده" وأمثال ذلك من جمل ومصطلحات. وقد وصلت إلينا خصوص كثيرة من نصوص النذور، وهي تفيدنا بالطبع كثيراً في تكوين رأينا في النذور والمعابد واللغة التي تستعمل في مثل هذه المناسبات عند المعينيين وعند غيرهم من العرب الجنوبيين. ويقوم "الناذر" أو الشخص الذي استحقت عليه الضرائب أو القبيلة بتقديم ما استحق عليه إلى المعبد، وكانت تعد "ديوناً" للصنم على الأشخاص. فإذا نذر الشخص للاصنام بمناسبة مرض أو مطالبة بإحلال بركة في المزرعة أو في التجارة أو إنقاذ من حرب وصادف أن مرت الأمور على وفق رغبات أولئك الرجال، استحق النذر على الناذر، فرداً كان أو جماعة، ولذلك يعبر عنه ب "دين"، فيقال "دين عثتر" أو "دين". وقد يفوض الملك أو المعبد إلى رئيس أو سيد قبيلة أو غني استغلال​​ مقاطعة أو منجم أو أي مشروع آخر في مقابل شروط تدون في الكتابات، فتحدد الحدود، وتعين المعالم، وينشط المستغل للاستفادة منها وأداء ما اتفق عليه من أداء للجهة التي تعاقد معها، ويقوم بجباية حقوق الأرض إن كان قد أجرها لصغار المزارعين وبدفع أجور الأجراء وبتمشية الأعمال، ويكون هو وحده المسؤول أمام الحكومة أو المعبد عن كل ما بتعلق بالعمل، وعليه وحده أن يحسب حساب خسائره وأرباحه. ويتعهد الكبراء وسادات القبائل والحكام عادة بجمع الضرائب من أتباعهم ودفع حصة الحكومة، كما يتعهدون بإنشاء الأبنية العامة كإنشاء المباني الحكومية وإحكام أسوار المدن وبناء الحصون والأبراج والمعابد وما شاكل ذلك، مقابل ما هو مفروض عليهم من ضرائب وواجبات أو تفويض التصرف في الأرضين العامة. فإذا تمت الموافقة، عقُد عقد بين الطرفين، يذكر فيه إن اصنام معين قد رضيت عن ذلك الاتفاق، وان المتعهد سيقوم بما اتفق عليه. وإذا تم العمل وقد يضيف إليه المتعهد من جيبه الخاص، ورضي عنهَ الملك الذي عهد إليه بالعمل أو الكهنة أرباب المعبد أو مجلس المدينة، كتب بذلك محضر، ثم يدون خبره على الحجر، ويوضع في موضع ظاهر ليراه الناس، يسجل فيه اسم الرجل الذي قام بالعمل، واسم الاصنام التي باسمها عقد العقد وتم، واسم الملك الذي تم في اياهمه المشروع، واسم "الكبير" الحاكم إن كان العقد قد تم في حكمه وفي منطقة عمله. وتعهد المعابد أيضاً للرؤساء والمشايخ القيام بالأعمال التي تريد القيام بها، مثل إنشاء المعابد وصيانتها وترميها والعناية بأملاكها وباستغلالها بزرعها واستثمارها نيابة عنها. وقد كان على المعابد كما يظهر من الكتابات أداء بعض الخدمات العامة للشعب، مثل إنشاء مباني عامة أو تحصين المدن ومساعدة الحكومة في التخفيف عن كاهلها، لأنها كانت مثلها تجبي الضرائب من الناس وتتلقى أموالاً طائلة من الشعب وتتاجر في الأسواق الداخلية والخارجية، وكانت تقوم بتلك الأعمال في مقابل إعفائها من الضرائب. وقد كانت وارداتها السنوية ضخمة قد تساوي واردات الحكومة. وتخزن العابد حصتها من البخور واللبان والمر والحاصلات الأخرى في خزائن المعبد، وتأخذ منها ما تحتاج إليه مثل البخور للأعياد وللشعائر الدينية وتبيع الفائض، وقد ترس مع القوافل لبيعه في البلاد الأخرى، وقد تعود قوافله محملة ببضائع اشترتها بأثمان البضائع المبيعة، ولذلك كانت أرباحها عظيمة، وكان أكثر الكهان من البيوتات الكبيرة ومن كبار الأغنياء. نقود معينية تعامل قدماء المعينيين مثل غيرهم من شعوب العالم بالمقايضة العينية، وبالمواد العينية دفعوا للحكومة وللمعابد ما عليهم من حقوق، وبها أيضاً دفعت أجور الموظفين والمستخدمين والعمال والزراع. وقد استمرت هذه العادة حتى في الأيام التي ظهرت فيها النقود، وأخذت الحكومات تضرب النقود، وذلك بسبب قلة المسكوكات، وعدم تمكن الحكومات من سك الكثير منها كما تفعل الحكومات في هذه الأيام. وقد عرف المعينيون النقود، وضربوها في بلادهم. فقد عثر على قطعة نقد هي "دراخما" أي درهم، عليها صورة ملك جالس على عرشه، قد وضع رجليه على عتبة، وهو حليق الذقن متدلٍ شعره ضفائر، وقد أمسك بيده اليمنى وردة أو طيراً واسمك بيده اليسرى عصا طويلة، وخلفه اسمه وقد طبع بحروف واضحه بارزة بالمسند، وهو "اب يثع" وأمامه الحرف الأول من اسمه، وهو الحرف "أ" بحرف المسند، دلالة على إنه الآمر بضرب تلك القطعة. ولهذه القطعة من النقود أهمية كبيرة في تأريخ "النميّات" في بلاد العرب وفي دراسة الصلات التجارية بين جزيرة العرب والعالم الخارجي. ويظهر من دراسة هذه القطعة ومن دراسة النقود المشابهة التي عثر عليها في بلاد أخرى، إنها تقليد للنقود التي ضربها خلفاء الإسكندر الكبير، سوى شيء واحد، هو أن عملة "أب يثع" قد استبدلت فيها الكتابة اليونانية بكتابة اسم الملك "اب يثع" الذي في أيامه، تم ضرب تلك القطعة بحروف المسند. أما بقية الملامح والوصف، فإنها لم تتغير ولم تتبدل، ولعلها قالب لذلك النقد، حفرت عليه الكتابة بالمسند بدلاً من اليونانية. ويعود تأريخ هذه القطعة إلى القرن الثالث أو​​ القرن الثاني قبل الميلاد. وقد كانت نقود "الإسكندر الكبير" والنقود التي ضربها خلفاؤه من بعده مطلوبة مرغوبة في كل مكان، حتى في الأمكنة التي لم تكن خاضعة لهم، شأنها في ذلك اليوم شأن الجنيه أو الدولار في هذا اليوم، وتلك النقود لا بد أن تكون قد دخلت بلاد العرب مع اتجار ورجال الحملة الذين أرسلهم لاحتلال بلاد العرب، فتلقفها التجار هناك وتعاملوا بها، وأقبلت عليها الحكومات، ثم أقدمت الحكومات على ضربها في بلادها بعد مدة من وصول النقود أليها. وأسست بذلك أولى دور ضرب النقود في بلاد العرب. ولا بد أن يكون نقد "اب يثع" قد سبق بنقد آخر، سبق هو أيضاً بالنقد اليوناني الذي وصل بلاد العرب، لأن درهم "اب يثع" مضروب ضرباً متقناً، وحروفه واضحة جليّة دقيقة دقة تبعث على الظن بوجود خبرة سابقة ودراية لعمال الضرب، أدت بهم إلى إتقان ضرب أسماء الملوك على تلك النقود.

أمأ حياتهم الدينية فكانت في ضلال وعلي غير هدي فقد عبدوا كثيرا من الأصنام ومن أشهر ما عبدو ود وهو الذي ذكر في سورة نوح في القرآن الكريم

​​ ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾
سورة نوح: 23]

 

ولم يعرف عن مملكة معين أنها دخلت في حرب توسعية ضد أي من الممالك الأخرى، ربما حفاظاً على مصالحها التجارية، ولا تزال ظروف اختفائها عن الساحة غامضة إلى اليوم، ومن المتوقع أن تكشف الأبحاث العلمية التي تجري حالياً في عدد من المواقع الأثرية المعينية الكثير عن تاريخ المملكة، والتي اختفت في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد تقريباً( طبقا لموقع معرفة).

وقد ورد اسم معين في المصادر الرومانية واليونانية وعاصمتها مدينة قرنا، وظلت حضارة المعينين مجهولة حتي كشف عنها أحد العلماء وهو جوزيف هالفي، والواقع أن اكثر النقوش التي وجدت إنما وجدت لتحوي فقط اسماء ملوك وأشخاص، وتسجيل لاحداث شخصية أو خاصة، بالتالي ترتب علي ذلك اختلاف الباحثين في الفترة المحددة التي بدأت فيها هذه الدولة.

 

 

 

المصادر: