شعرُ الأمويين أم أُمويّو الشِعْر ؟
ظل الشعرُ منذ أن رأت اللغة العربية الضوء رسالةً مطليةً بالذكاء و الجمال ، فكان مزيجاً من الكلامِ الواضح حيناً و اقتباساً مخفياً بين الأسطر حيناً آخر .
و إن أردنا الحديث عن الشعر في العصر الأموي ، فنحن أمام بوابة عريضة عالية ، علق عليها الشعراء الأمويون أساسيات القصيدة العربية من الأسلوب المتين للشكل الفني المميز الذي شكله شعراء هذا العصر بطريقةٍ مُتقنة نتيجة المنافسة الكبيرة في تلك الفترة بُغيةَ إرضاء الممدوحين أو النُقاد ؛ فكان شعر المديح و شعر الهجاء من أبرز الأغراض الشعرية إضافةً لشعر الغزل و شعر الطبيعة .
كما أدت المنافسة بين الحكام و الأحزاب إلى ازدهار الشعر في العصر الأموي الذي تأثر أيضاً بأحوالِ المجتمع و معيشته ، حيث كان اللهو و الترف الذي تميز به العصر الأموي بشكلٍ كبير إلى ظهور شعر الغزل الحضري و شعر الغزل العذري ، كما أثرت بيئة الشعراء بشعرهم فنلاحظ أن شعر العراق و أهل بلاد الشام يختلف عن شعر نجد و عن شعر الحجاز .
و بما أن مقالنا هذا عن الشعر في عصرٍ معين فلا بدّ لنا من الإجابة على السؤال التالي " هل ظهر لونٌ شعريٌ جديد في هذا العصر ؟" ، و الإجابة هي نعم و هو الصراع السياسي فكان الشعراء هم اللسان الناطق باسم الأحزاب المختلفة و رُسلٌ يحملون مطالب الحزب الذي يمثلونه بين كلماتهم .
و لو أردنا الحديث عن أبرز خصائص الشعر في العصر الأموي ؛ فسنبدأ بأهم ما اتسمت به القصيدة الأموية :
تجويد الشعر فكانت قصائد الشعر الأموي مميزةً عن غيرها ، لأن الشعراء في ذلك العصر جعلوا الشعر كأنه حرفة عملوا بها على إرضاء الحُكام ففي المديح زينوا كلماتهم و في الهجاء جعلوا الكلامَ ناراً .
الاستهلال بالمقدمة الطللية كادت لا تخلو قصائد الأمويين من بداية الوقوف على الأطلال فصارت نسقاً مميزاً تُعرف به القصائد الأموية و يقفزون من الأطلالِ للنسيب فيستفيضون بالشرحِ أحياناً و يختصرون كلماتهم أحياناً آخرى ، و ينهون مديحهم و قصائدهم بذكر مناقب الممدوح ، و ما أن ينهون المدح و الثناء و الكلام المزين حتى يبسطون كفهم للممدوح .
و بعد أن عرضنا أبرز خصائص الشعر في العصر الأموي التي نُضيفُ لها المبالغة في الاستعطاء الذي قسم النُقاد و الشعراء و الباحثين إلى قسمٍ أول يوافق على هذه الخاصية و قسم آخر يرفضها بحجة أنها أدت لانحدار الأدب العربي عن طريقه المجبول بالمروءة و عزة النفس .
في حين أننا طبعاً سنكمل حديثنا عن أحد ركائز شعر العصر الأموي و هو المديح فسنتحدث عن أبرز أغراض الشعر الأموي و ستكون بدايتنا طبعاً مع :
شعر المديح الذي شكل أحد الخطوط العريضة و الرئيسة آنذاك ، و أداةً سحرية قد تُبعد العنق عن المقصلة ، فأٌنا شاعرٌ أمدح الوالي أو ولده كي لا أنال حدفي إن اقترفتُ ذنباً أو كي تُمطر السماء فوقي بالعطايا .
شعر الهجاء كثُرت الفرق و الأحزاب الإسلامية في العصر الأموي و كثُر معها الهجاء ، فكان تعصب القبائل و نيرانها المشتعلة دافعاً لازدياد قصائد الهجاء .
شعر الزهد انتشر أيضاً هذا الغرض الشعري في معظم شعر شعراء هذا العصر ، كرسالةٍ هادئة تدعو للعمل الصالح و التقوى .
شعر الطبيعة إن أردنا ذكر أبرز ما احتفظ به شعراء هذا العصر من شعر أجدادهم فهو الطبيعة الخلابة الواحات و أشجار النخيل و رمال الصحراء فاستلهم الأمويون من الطبيعة و ذكروها أنهارها و ثمارها و مدنها .
شعر الغزل إن الغزل الذي رافق الشعر سراً و علانيةً منذ ولادته ، كأنهما توأمٌ تغذوا من نفس المشيمة ، تميز بعذريته في هذا العصر.
و بما أننا نتحدث عن شعر عصر متفرد بحد ذاته طبعاً لشعراء هذا العصر حقٌّ علينا بذكرهم هم من هذبوا شعرهم و وضعوا أساساتهم القوية كي تدعم تطور القصيدة العربية و كان أبرزهم حينها :
أبو الشغب العبسي
أبو الشمقمق
أبو صخر الهذلي
الأخطل
جرير
و كانت أحد أبرز قصائد الأخير هي قصيدة أتصحو بل فؤادك غير صاح التي قال فيها :
أتَصحو بَل فُؤادُكَ غَيرُ صاحِ
عَشِيَّةَ هَمَّ صَحبُكَ بِالرَواحِ
يقولُ العاذِلاتُ عَلاكَ شَيبٌ
أَهَذا الشَيبُ يَمنَعُني مِراحي
يُكَلِّفُني فُؤادي مِن هَواهُ ظَعائِنَ
يجتَزِعنَ عَلى رُماحِ ظَعائِنَ
لَم يَدِنَّ مَعَ النَصارى وَلا يَدرينَ ما سَمكُ القَراحِ
فَبَعضُ الماءِ ماءُ رَبابِ مُزنٍ
وَبَعضُ الماءِ مِن سَبَخٍ مِلاحِ
سَيَكفيكَ العَواذِلَ أَرحَبِيٌّ
هِجانُ اللَونِ كَالفَرَدِ اللَياحِ
و قبل شرح أفكار هذا الجزء من القصيدة التي مدح فيها جرير الخليفة عبد الملك بن مروان سنشرح أبرز المفردات :
مِراحي : اسم للمرح و اللهو
الرباب : السحاب الأبيض الرقيق في السماء
المُزن : جمع مُزنة و هي السحاب
سبخ : جمع سبخة و هي المستنقع أو الأرض المالحة
هجان : الهجان من الإبل و هو الإبل أبيض اللون
و بالنسبة لشرح المقطع السابق :
فقد دعا جرير نفسه لتهم و تستعد للذهاب إلى ديار الخليفة عبد الملك بن مروان و ذكر لوم العواذل له بسبب ماهية شعره و هو قد تقدم في السن ، و تحدث عن قلبه الذي تعلق ببعض النسوة في الهوادج كما وصفهن بأنهن عربيات مسلمات من بيئة اقرب للبدو منها للحضر ، و وصف الشاعر أخيراً في هذا المقطع أنه امتطى في رحلته نحو بلاد الخليفة الممدوح جملاً أبيض اللون .
قد أجمع المؤرخون على أن الشعر في العصر الأموي لم يمر مرور الكرام بل كان هذا العصر نقطة تحول لا مثيل لها بالنسبة للشعر العربي ، و صقلاً متيناً و قوياً للقصيدة العربية ؛ فكما ذكرنا أعلاه قد حافظ الشعراء الأمويون على بعض أغراض الشعر التي ورثوها عن أجدادهم و درسوا وقتهم و ابكتروا أغراضاً شعرية تفي بالفترة الزمنية التي عاصروها ، فكان العصر الأموي و لا زال باباً كبيراً يختبئ خلفه الإجابات عن مئات الأسئلة التي تراود أذهان مُحبي الشعر و اللغة العربية ؛ من هم أبرز الممدوحين آنذاك ؟
هل كان كل المدح كذباً بهدف النجاة من الموت و بهدف كسب الحماية و المال ؟
و ما هي أبرز القصائد لأبرز شعراء هذا العصر ؟
و السؤال الأهم : ما معنى كلماتهم ؟ و هل كانت كما يجب أن تكون ؟ .
إعداد و تحرير : أريج غانم .