كثير عزة

اليوم​​ لا تحكم على الكتاب من عنوانه ، و​​ في ذلك العصر​​ لا​​ تحكم على كثير حتى تعاشره .

اسمه و نسبه :

كثير عزة هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي​​ ،​​ شاعرٌ​​ أموي من شعراء المدينة المنورة​​ ،​​ قد​​ وصفه الرواة بالدمامة​​ الخلقية ،​​ فقد​​ رُويَ عنه​​ أنه قصير​​ الطول​​ أعور العين​​ نحيل الجسم ، فقد​​ وصفه بعض الرواة طوله بأنه لا​​ يزيد​​ الثلاثة​​ أشبار .

ملخص من حياة كثير عزة :

ولد​​ شاعرنا العاشق​​ في المدينة المنورة​​ في السعودية​​ ،​​ و ترعرعَ​​ يتيمًا​​ فقد​​ وافت المنية والده​​ عندما​​ كان​​ في​​ سنٍّ​​ صغيرة ،​​ و وُصِفَ​​ طبعهُ و مزاجهُ​​ أنّه ​​ حاد الطباع سليط اللسان عاقًا لوالده​​ .

تكفل​​ عم كثير​​ بابنِ​​ أخيه​​ بعد وفاة والده​​ ،​​ فكان حسن التعامل معه​​ ،​​ و​​ حافظَ​​ عليه من مجاورة​​ السيئين​​ من​​ الصِّبية ،​​ و شتات مستقبله​​ بصحبتهم​​ ، حيث​​ اشترى​​ له قطيعًا من الإبل​​ ليعيش و يرتزقَ به .

اشتهر كثير​​ عزة​​ بهذا اللقب​​ نسبةً​​ إلى​​ ابنة عمه و محبوبته​​ عزة بنت جميل بن حفص بن إياس الغفارية​​ الكنانية ،​​ التي كانت محور غزله العذري​​ .

كما​​ ​​ لم يستطع الزواج بها​​ ،​​ و قد​​ زُوّجت​​ عزة​​ لآخر​​ و رحلت​​ للعيش في مصر،​​ و رغم​​ ذلك لم يحلّ بين كثير​​ و عشقه​​ لعزة​​ ،​​ فقد​​ قرر هو الآخر​​ رغم​​ زواجها​​ ​​ أن يكون بجوارها على الأقل​​ ، فانتقل​​ إلى مصر​​ و اختار​​ الحياة​​ ​​ هناك​​ ،​​ حيث يسكن​​ صاحبه​​ عبد العزيز بن مروان​​ ، وقد​​ حصد​​ كثير عزة لنفسه في مصر مستقرًا​​ رفيع المستوى​​ حيث المكانة​​ العظيمة​​ والعيش اليسير، بالإضافة إلى​​ وجوده قرب حبيبته عزة .

ملخص من حياة كثير عزة الأدبية :

​​ كان​​ كُثير عزة​​ يكني محبوبته​​ في شعره​​ ، بأم عمرو تارةً​​ ، وبالضميرية تارة أخرى نسبة إلى بني ضمرة بن بكر من​​ كنانة .

​​ وقد​​ تفوقَ​​ كثير عزة بالشعر​​ فكتب​​ في ​​ أغراض الشعر​​ المتنوعة​​ من مدح وغزل وفخر وغيرها​​ الكثير ،​​ إّلا أنّه​​ تميز​​ واشتهر بغزله وشعره السياسي​​ ،​​ وقد تقرب كثير عزة من خلفاء العصر الأموي وكسب بمدحه​​ لهم في أشعاره ؛​​ ​​ فمدح عبد الملك بن مروان وأخاه عبد العزيز والي مصر​​ و صديق كثير ،​​ ونال بذلك​​ حظاً مميزاً​​ لدى خلفاء​​ العصر الأموي​​ ، وقد كان شاعرًا​​ قوياً​​ سريع​​ الفهم​​ واثقًا بنفسه​​ ،​​ رغم ما​​ اشتُهِرَ​​ به من دمامة الخَلق​​ .
قصائد كثير عزة :

جُمعت قصائد كثير عزة في​​ العديد من​​ الأغراض الشعرية التي كان قد​​ كتب​​ فيها في ديواناً واحداً​​ ضم عددًا كبيرًا من القصائد التي​​ اختلفت​​ بين المقطوعات والمطولات وشكلت​​ مرجعاً و مصدراً​​ من مصادر اللغة​​ العربية الفصحى .

أمّا عن​​ أحد قصائده المميزة فهي​​ قصيدة “ترى الرجل النحيف فتزدريه”​​ فيُقال​​ بأن عبد الملك بن مروان بعد أن سمع​​ بقصائد​​ كثير طلب من​​ حاشيته​​ أن​​ يُحضِروه​​ ​​ له ،​​ فذهبوا إليه وأخبروه بالحضور إلى​​ بلاط و مجلس​​ أمير​​ المؤمنين ،​​ فحضر​​ نفسه واتجه إلى مجلس الخليفة​​ ،​​ وعند دخوله إليه​​ ،​​ تفاجأَ​​ عبد الملك بن​​ مروان ،​​ و​​ صُدِم​​ من الرجل الذي​​ يقف أمامه​​ ، وقال له: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه​​ ، ومن ثم قال​​ له​​ : أنت كثير الذي قال كل ما سمعناه من شعر؟​​ ،​​ فأجابه كثير​​ :​​ نعم ،​​ و​​ رغبَ​​ أن يستعيد كرامته التي سلبها​​ الأمير باستهزائه به ،​​ فأنشد​​ قائلًا تلك القصيدة و منها هذه الأبيات :​​ 

تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ

وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ

وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ

فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ

فَما عِظَمُ الرِجالِ لَهُم بِفَخرٍ

وَلَكِن فَخرُهُم كَرَمٌ وَخَيرُ

بُغاثُ الطَيرِ أَكثَرُها فِراخاً

وَاُمُّ الصَقرِ مِقلاتٌ نَزورُ

ضِعافُ الطَيرِ أَطوَلُها جُسوماً

وَلَم تَطُلِ البُزاةُ وَلا الصُقورُ

ضِعافُ الأُسدِ أَكثرُها زَئيراً

وَأَصرَمُها اللَواتي لا تَزيرُ

لَقَد عَظُمَ البَعيرُ بِغَيرِ لُبِّ

فَلَم يَستَغنِ بِالعِظَمِ البَعيرُ

يُصَرِّفُهُ الصَبيُّ بِكُلِّ وَجهٍ

وَيَحبِسُهُ عَلى الخَسفِ الجَريرُ

وَتَضرِبُهُ الَوليدَةُ بِالهَراوى

فَلا غِيَرٌ لَدَيهِ وَلا نَكيرُ

فَإِن أَكُ في شِرارِكُمُ قَليلاً

فَإِنّي في خِيارِكُمُ​​ كَثيرُ

شرح الأبيات :

​​ بدأ شاعرنا بحديثه عن أنه عندما تنظر للرجل​​ النحيف (يقصد نفسه)​​ ، ستشعر بأنه​​ قليل الحيلة و ضعيف​​ و تقلل من شأنه​​ و تسخر منه​​ ،​​ رغم أن​​ هذا الرجل النحيف قد​​ يخبئ​​ في​​ جسمه​​ الصغير قلبًا​​ جريئاً​​ قوياً​​ ​​ و شجاعاً ،​​ لتجاوز الآخرين​​ .

و​​ يعني​​ بقول المزير بأنه و بالرغم مِن منظره الرث إلا أن ملابسه توحي​​ بعكس ذلك​​ .

​​ حيث​​ أنه​​ يمكن​​ أن​​ يكون​​ الإنسان​​ حسن​​ الشكل​​ ،​​ يحصل على إعجاب​​ كل من يراه و يتضح فى النهاية انه شخص​​ تافه سخيف .

*ملحوظة *​​ :

​​ بعد أن انتهى كثير من قول أبياته اعتذر الوالي منه و شعر بالخجل م نفسه .

كثير عزة​​ شاعرٌ يمثل قوةً مميزة ، رغمَ أن قلبه قد فُطِر بزواج​​ محبوبته ، و لم يكن مميز الشكل أو مُلفتاً ،​​ إلا أنه حصد احترام من​​ عاشره ، لثقته بنفسه و شجاعته .

إعداد و تحرير : أريج غانم .