الشعراء الذين​​ نظموا قصائد في مدح​​ رسول الله صلى الله عليه وسلم

تسابق الشعراء في عصر صدر الإسلام لمدح التبي محمد صلى الله عليه وسلم وبرعوا في نظم​​ ​​ قصائد قوية للرد على كفار قريش والدفاع عن​​ الرسول​​ صلى الله عليه وسلم​​ والمسلمين​​ والدعوة الإسلامية، ومن أبرز هؤلاء الشعراء في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت الأنصاري وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، وتوالى الشعراء في​​ العصور اللاحقة بمدح سيد الخلق وخير المرسلين كالفرزدق ودعبل الخزاعي والشريف الرضي في العصر الأموي والبوصيري​​ في العصر العباسي وبانتقالنا إلى الأندلس نجد الشعراء انهالوا على الرسول صلى الله عليه وسلم​​ بالمدائح النبوية التي تحمل مشاعؤ الشوق والحنين لزيارة قبر النبي عليه أفضل الصللة والسلام كالمقّري ولسان الدين بن الخطيب، أما في العصر الحديث فقد أبدع شوقي والبارودي والكثير من الشعراء​​ في هذا الغرض الشعري.

وسنتطرق للحديث عن بعض هؤلاء الشعراء.

  • مدح حسان بن ثابت​​ لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

هو حسان بن ثابت الخزرجي الأنصاري، ولد في المدينة المنورة قبل ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، يُكنّى بأبي الوليد ولقب بشاعر الرسول لكثرة مرافقته للرسول عليه الصلاة والسلام وكثرة الأشعار التي​​ نظمها في وصفه ومدحه بالإضافة للقصائد العظيمة التي​​ دافع فيها عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والدعوة الإسلامية​​ وهجاء قريش وكفارها والرد عليهم​​ ،​​ وكان حسان​​ يحث المجاهدين على القتال في المعارك​​ فلم يشارك حسان في المعارك إنما كان جهاده بلسانه وشعره،فله مقولة مشهورة يقول فيها: " ما​​ يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم"​​ فكان الرسول عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يدعو لحسان بقوله: "اللهم​​ ​​ أيده بروح القدس"،​​ وهو من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا زمناً في الجاهيلة وزمناً في الإسلام​​ هذا ما جعل شعره يتسم ببعض سمات الجاهلية كالألفاظ الجزلة​​ والقوية.

اشتهر حسان بن ثابت الأنصاري​​ بالمدح في أشعاره وخاصة مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتعتبر أشعار حسان من​​ الأشعار القوية والتي تحمل​​ معان​​ بلاغية ​​ كما أنه اقتبس​​ الكثير من المعاني الواردة في القرآن الكريم​​ والمذكورة في السنة النبوية الشريفة​​ في قصائده.

نظم حسان بن ثابت أروع الأشعار في مدح نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم​​ فكانت أول قصيدة قالها في مدح النبي عندما أعطته قريشاً المال لهجاء الرسول صلى الله عليه وسلم​​ لكنه عندما​​ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق قلبه وأنار وجهه وزرع الله محبة الرسول في قلب حسان​​ ولم يجد شيئاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهجى​​ فهو سيد الخلق وخير المرسلين، فعاد إلى قريش وأعاد لهم المال وألقى قصيدته التي قال فيها:

لما رأيت أنواره سطعت​​  ​​ ​​ ​​​​  ​​ ​​ ​​​​  ​​ ​​ ​​​​ وضعت من خيفتي كفي على بصري

خوفاً على بصري من حسن صورته  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ فلست أنظره إلا على قدري

روح من النور في جسم من القمر.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ كحلية نسجت من الأنجم الزهر

قال حسان هذه القصيدة وأسلم وبقي إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم​​ وانهال عليه بالمدائح النبوية التي تبين مدى حبه للنبي وتظهر للكفار مدى عظمة هذا الشخص، فيقول حسان​​ في قصيدة​​ يوضح فيها أن النبي بعث لرحمة الناس وهدايتهم وإصلاح البشر​​ وأنه خير من أرسل الله تعالى إلى هذه الأرض:

محمد المبعوث للناس رحمة.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ يشيد ما أوهى الضلال​​ ويصلح

لئن سبّحت صمّ الجبال مجيبة.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ لداود​​ أو لان الحديد​​ المصفح

فإن الصخور الصم لانت بكفه.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وإن الحصا في كفه ليسبح

وله أبيات من أجمل ما قال في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم​​ يوضح فيها أن النبي عليه الصلاة والسلام​​ أفضل الخلق وأن النساء لم تلد يوماً ولن تلد مثله​​ ​​ وأنه​​ خلق​​ بريء من العيوب​​ وأنه جميل خَلقاً وخُلقاً،​​ يقول:

وأحسن منك لم تر قط عيني.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وأجمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرء من كل عيب.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ كأنك قد خلقت كما تشاء

وله أبيات​​ وصف​​ فيها​​ النبي محمد صلى الله عليه وسلم​​ بالجمال والكمال​​ وما​​ يحمله​​ لنا من هداية​​ وأنه كان للبشر نوراً وضياء، يقول:

نبي أتانا بعد يأس وفترة  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ من الرسل​​ والأوثان في الأرض تعبد

فأمسى سراجاً مستنيراً​​ وهادياً.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ يلوح كما لاح الصقيل المهند

وأنذرنا ناراً وبشر جنة.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وعلمنا الإسلام فالله نحمد

وهكذا كان حسان في مدحه للرسول صلى الله عليه وسلم صادقاً​​ خالي من الكذب والمغالاة​​ نابعاً من حبه الشديد للنبي عليه الصلاة والسلام وللعقيدة الإسلامية، وتشوقه لنشر الإسلام في جميع أنحاء الأمة.

  • هجاء حسان بن ثابت لكفار قريش والدفاع عن الرسول والدعوة الإسلامية:

كثر في شعر حسان هجاء كفار قريش​​ وكل من يقوم بمهاجمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهجائه​​ فكان جهاده في شعره، لكن حسان​​ أخذ الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجاء قريش لأن ​​ قريش هي​​ بلد الرسول​​ فأذن له الرسول وقال له: "كيف بنسبي" فقال له​​ حسان:​​ "لأسلنك منهم​​ كما تسل الشعرة من العجين" وبدأ بهجائهم​​ وذمهم​​ بأشعار وصفت بالقوية لما تحمله من معاني تشد أزر المسلمين وتحط من عزيمة الكفار، يقول في إحدى القصائد​​ يقوم فيها بالدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم​​ ويهجو بها ابن الزبعري:

هجوت محمدا فأجبت عنه.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت محمدا براً تقياً.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ رسول الله شيمته الوفاء

فإن أبي ووالده وعرضي.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ لعرض محمد​​ منكم وقاء

ثكلت بنيتي إن لم تروها.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ تثير النقع من كنفي كداء

كما كان له الكثير من​​ أجمل​​ قصائد الهجاء​​ فيقول في​​ هجاء​​ عدي بن كعب:​​ 

قوم لئام أقل الله خيرهم  ​​ ​​​​  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​  ​​ ​​ ​​ ​​​​ كما تناثر، خلف الراكب، البعر

كأن ريحهم​​ في الناس، إذ خرجوا.  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ريح الحشاش إذا ما بلها المطر

قد أبرز الله قولا فوق قولهم  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ كما النجزدوم تعالى فوقها القمر

ويقول أيضا في الهجاء:

إن السنام وإن طالت شطيته. ​​  ​​​​  ​​ ​​ ​​​​ يعتاد ذروته الأدواء والعمد

فاللؤم فيك وفي سمراء ما بقيت.  ​​ ​​​​ وفي سمية حتى ينفذ الأبد

فعندما نقرأ شعر حسان نجد مدى صدق عاطفته​​ ​​ وقوة إيمانه​​ وإخلاصه للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، كما أنه كان قاسيا​​ في هجائه لرد المشركين عن مذهبهم وأخذهم لطريق الهداية والإسلام، وبقي​​ شعر​​ حسان​​ في​​ المدائح النبوية​​ الأفضل والأقريب لقلب النبي صلى الله علبه وسلم.