جميل بثينة
سيد كلمات الغزل ، و العاشق الممنوع من عشقه ، جميل بثينة جوهرةٌ من جواهر تاج الحب .
اسمه و نسبه :
جميل بثينة هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي الملقب( أبا عمرو ) ، نسبة إلى عذرة وهي بطن من قضاعة من شعراء العصر الأموي .
كان والده عزيزاً بين أفراد قبيلته .
انتسب جميل إلي جده معمر ؛ فاشتُهِر (بجميل معمر) ، أما والدته فقد كانت من جذور يمنية و تعود إلى قبيلة جذام .
ملخص من حياة جميل بثينة :
يُعد من أشهر شعراء العصر الأموي ، و كان جميل القلبِ و القالب ، عزيزاً ، شجاعاً ، عُرف بكرمه ، فساعد كثيراً اليائس ، و الفقير ، كما كان كريماً علي أصحابه من الشعراء بالهدايا والعطايا و قد تفاخر بسخائه بهدف أن يكسب محبة جميع النساء و خاصة بثينة .
كما كان شاعراً مرهف المشاعر ، وصاحبته بثينة ابنة عمه و ترعرعا معاً في قبيلته عذرة ، و لما كبرا تقدم للزواج منها ولكن أبوها ( حيان بن ثعلبة العذرية ) ، رفض رفضاً حاسماً مما أشعل قلبه و زاد تعلقه بها و دفاعاً عن عشقه بدأ يقول فيها الشعر حتى وافته المنية .
ملخص من حياة جميل بثينة الأدبية :
اشتهر جميل بثينة ببراعته باللغة العربية و لسانه الفصيح , وقد كانت غالبية قصائده محددة بمحبوبته و ابنة عمه ( بثينة بنت حيان ) .
حتى سمع أشعاره والد بثينة ، وكان يلتقي بمحبوبته دون معرفة أهلها فلامه الناس ، مما جعل والد بثينة يقدم اعتراض و شكوى للوالي ، الذي اتخذ قرار السماح بقتل جميل بثينة ، فصار عاشقاً ولهاناً يقول الشعر في كل مكان .
مميزات شعر جميل بثينة في الغزل العذري :
لمع شعر جميل بثينة بعدة صفات مميزة، نذكر منها ما يلي :
1_ رقة التعابير : تمثل ذلك بصدق العاطفة وقوتها.
2_ تجنب وصف مفاتن المحبوبة : وذلك بعدم وصف جسدها أو شكلها، بل كان يتغزل بحبها ومشاعره تجاها فقط ، فالكثير من الشعراء آنذاك اتجهوا نحو وصف الجسد للحبيبة التي يميل قلبهم فيتغنون بمفاتنها و جمالها ، ويصفونها بشكلٍ كبير و دقيق في أشعارهم الغزلية ، إلا أنَّ جميلًا بن معمر لم يتخذ هذا السبيل للتغزل بحبيبته ، فقد خلت قصائده من الوصف الجسدي ، إنّما كان يذهب لوصف حنينه إليها ، ويتطرَّق إلى الأحزان التي تستوطن قلبه حينما تُفارقه، والشوق الذي يُضنيه ، تغزَّل بها في العديد من قصائده ، فكان غزله غزلًا عفيفًا ، بعيدًا كل البعد عن الكلمات الفاحشة ، وقد كان حُبُّه له حبًا عذريًا يتجه إلى المشاعر الرُوحية حينما يُعبر عنه من خلال الشعر ،٢ و مثال ذلك قوله :
بأحسنَ منها مُقلةٌ ومُقلَّدًا
إذا جُليَت لا يُستطاع اجتلاؤها
وتَبسِمُ عن غُرٍ عذابٍ
كأنها أقاحٍ حكتها يومَ دَجنٍ سماؤها
إذا قعدت في البيتِ يُشرق بيتُها
وإن برزت يزدادُ حُسنًا فِناؤها
قَطُوفٌ ألوفٌ للحجالِ يَزِينُها
مع الدَّلِّ منها جسمُها وحياؤها
3_ كبر حجم الألم في قلبه : بسبب بعده عن محبوبته ، فقد كان تنظيم القصائد الشعرية الطريقة الوحيدة التي يستطيع من خلالها التعبير عن أشواقه و مشاعره الفياضة لمحبوبته بثينة .
4_ صدق الإخلاص : كان جميل حساساً ، كثير البكاء، بسبب شوقه لبثينة ، ولم يتغزل بأحد غيرها طوال حياته ، فلم يدخل قلبه إلا هي .
5_ ذكر اسم بثينة صراحة في القصيدة : فكانت معظم قصائده موجهةً إليها بشكل صريح ، فلا يخجل من ذكر اسم محبوبته أبدًا.
قصائد جميل بثينة :
كتب شاعرنا جميل بثينة العديد من القصائد في محبوبته بثينة ، و قد شدت الدولة الأموية على أيدي الأدباء والشعراء و عملت على دعمهم ، لتحسين مستوياتهم ، و كان جميل بثينة من الشعراء الذين دعمتهم الدولة في ذلك العصر .
فيما يلي جزء من قصيدة أيا ليت شعري ؛ التي تعد من أشهر قصائد جميل بثينة :
أَلا لَيتَ رَيعانَ الشَبابِ جَديدُ
ودَهراً تَوَلّى يا بُثَينَ يَعودُ
فَنَبقى كَما كُنّا نَكونُ
وَأَنتُمُ قَريبٌ وَإِذ ما تَبذُلينَ زَهيدُ
وَما أَنسَ مِنَ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها
وَقَد قُرِّبَت نَضوي أَمِصرَ تُريدُ
وَلا قَولَها لَولا العُيونُ الَّتي تَرى
لَزُرتُكَ فَاِعذُرني فَدَتكَ جُدودُ
خَليلَيَّ ما أَلقى مِنَ الوَجدِ باطِنٌ
وَدَمعي بِما أُخفي الغَداةَ شَهيدُ
أَلا قَد أَرى وَاللَهِ أَن رُبَّ عُبرَةٍ
إِذا الدار شَطَّت بَينَنا سَتَزيدُ
إِذا قُلتُ ما بي يا بُثَينَةُ قاتِلي مِنَ الحُبِّ
قالَت ثابِتٌ وَيَزيدُ
وَإِن قُلتُ رُدّي بَعضَ عَقلي أَعِش بِهِ
تَوَلَّت وَقالَت ذاكَ مِنكَ بَعيدُ
فَلا أَنا مَردودٌ بِما جِئتُ طالِباً
وَلا حُبُّها فيما يَبيدُ يَبيدُ
جَزَتْكِ الجَوازي يا بُثَينَ سَلامَةً
إِذا ما خَليلٌ بانَ وَهُوَ حَميدُ
وَقُلْتُ لَها بَيني وَبَينَكِ فَاِعلَمي
مِنَ اللَهِ ميثاقٌ لَهُ وَعُهودُ
وَقَد كانَ حُبّيكُم طَريفاً وَتالِداً
وَما الحُبُّ إِلّا طارِفٌ وَتَليدُ
وَإِنَّ عَروضَ الوَصلِ بَيني وَبَينَها
وَإِن سَهَّلَتهُ بِالمُنى لَكَؤودُ
وَأَفنَيتُ عُمري بِاِنتِظارِيَ وَعدَها
وَأَبلَيتُ فيها الدَهرَ وَهوَ جَديدُ
فَلَيتَ وُشاةَ الناسِ بَيني وَبَينَها
يَدوفُ لَهُم سُمّاً طَماطِمُ سودُ
وَلَيتَهُمُ في كُلِّ ممسىً وَشارِقٍ
تُضاعفُ أَكبالٌ لَهُم وَقُيودُ
وَيَحسَبُ نِسوانٌ مِنَ الجَهلِ أَنَّني
إِذا جِئتُ إِيّاهُنَّ كُنتُ أُريدُ
فَأَقسِمُ طَرفي بَينَهُنَّ فَيَستَوي
وَفي الصَدرِ بَونٌ بَينَهُنَّ بَعيدُ
شرح بعض المفردات :
ريعان : الريعان من كلّ شيء أوّله وأفضله .
شطَّت : شطّت الدار أي بعدت .
فاثور : الفاثور هو الخوان -أي المائدة- من الذهب والفضة .
اللجين : الفضة .
تليد : قديم .
كؤود : الكؤود هو المرتقى الصعب .
بون : البون هو المسافة بين الشيئين .
شرح الأبيات :
تمنى الشاعر رجوع الزمان إلى الماضي إلى أيام الخوالي أيام الشباب ، و سافر بذاكرته إلى وقت وداع حبيبته ، حين سافر من الحجاز إلى مصر ، و عبر عن حسرته على ما الأيام التي ذهبت دون أن يكون بجوار بثينة و تذكر كذلك الأيام الجميلة التي كانت برفقتها في وادي القرى ، كما شرح الشاعر لنا ماهية العشق الساكن داخله كما ذكر أن حب بثينة يكبر و يزيد مهما زادت المسافة بينهما .
جميل بثينة حبيبٌ لا يُكرر ، جميل بثينة حبيبٌ لا يُنسى ، جميل بثينة حبيبُ كل الأزمان .
إعداد و تحرير : أريج غانم .