الفرزدق

قامةٌ مميزة من قامات الشعر في العصر الأموي ، و بابٌ عظيم من أبواب شعر النقائض في ذلك العصر​​ ،​​ شريفٌ مقدام و شاعرٌ قدير ، من هو ؟​​ 

هو همام .

اسمه و نسبه :

الفرزدق​​ كنيته أبو فراس و لقبه الفرزدق و اشتهر بلقبه أكثر من اسمه ،​​ حيث عرفه أهل عصره و باقي الأزمان بلقبه الفرزدق ،​​ هو همام​​ بن​​ غالب​​ بن​​ صعصعة​​ المجاشعي التميمي البصري /وُلد عام​​ ٢٠_ ١١٠ للهجرة​​ /​​ ٦٤١​​ _ ٧٢٨ ميلادي .

شاعر عربي الأصل​​ من​​ النبلاء​​ الأشراف ،​​ ولد​​ ونشأ في​​ زمن عمر بن الخطاب  في​​ بادية​​ قومه بني​​ تميم قرب كاظمة​​ ،​​ و لمع نجمه​​ واشتهر​​ في العصر الأموي ،​​  و كان من أسياد الشعر في​​ زمانه .

ملخص من حياة الفرزدق :​​ 

ولد​​ الفرزدق​​ في بادية قومه بني تميم ونشأ​​ بين أحضان قبيلته​​ حياته الأولى في​​ قوة و شموخ​​ و رفعة​​ ،​​ في أُسرةٍ​​ عظيمة الشأن كريمة و قوية​​ ، وأخذ منهم صفاته​​ الجميلة​​ التي منها قوة الشكيمة​​ ،​​ والفصاحة​​ ،​​ و الغياب​​ ،​​ و ذهب​​ الفرزدق مع​​ والده​​ غالب بن صعصعة إلى علي بن أبي طالب​​ كرم الله وجهه في البصرة وهو أول خليفة​​ ​​ يزوره الفرزدق ، و قد كان​​ ذلك​​ بعد معركة الجمل​​ التي صارت عام 37​​ للهجرة​​ ، فقال​​ والده غالب​​ : يا أمير المؤمنين إن إبني هذا من شعراء مضر​​ فاسمع​​ منه​​ ، فردّ​​ علي علمه​​ القرآن ،​​ و​​ قال الفرزدق​​ عندما روى ما حدث حينها ، عن كلام علي​​ : فوقع في قلبي .

تقدم الفرزدق بالعمر حتى بلغ ما يقارب المائة عام ، فأصابته الدبيلة وهو في البادية ،​​ و ما لبث​​ إلا أن مات في سنة 110 هـ في​​ عهد​​ خلافة هشام بن عبد​​ الملك ،​​ و​​ قد صلى عليه بلال بن أبي بردة والي البصرة​​ لهشام ،​​ و​​ دُفن في البصرة في مقابر بني​​ تميم .

 

ملخص من حياة الفرزدق الأدبية :

​​ كان​​ شاعرنا همام​​ كبير​​ الأثر في​​ العربية الفصحى​​ ، حتى قيل «لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب​​ ، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس»،​​ فهو سيد​​ الأخبار والنقائض​​ إلى جانب​​ الشاعرين​​ جرير​​ والأخطل ،​​ و عُرفَ​​ بشعر المدح​​ ؤ و الافتخار ،​​ و طبعاً شعر​​ الهجاء .

وقد وفد على عدد كبير من​​ خلفاء ذلك العصر ،​​ كعلي بن أبي طالب​​ ، ومعاوية بن أبي سفيان​​ ، وابنه يزيد​​ ، وعبد​​ الملك بن مروان​​ ، و أبنائه​​ الوليد​​ ، و​​ سليمان​​ ، و​​ يزيد​​ ، و​​ هشام​​ ، و​​ وفد​​ كذلك​​ على الخليفة عمر بن عبد العزيز، وعدد من الأمراء الأمويين​​ ،​​ والولاة ،​​ وكان​​ شريفاً لامعاً​​ في​​ قومه ،​​ عزيز​​ الجاه​​ ،​​ وكان أبوه من الأجواد الأشراف​​ ، وكذلك جده من سادات العرب​​ ،​​ و​​ كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء إلا قاعداً لشرفه​​ ، وله ديوان كبير​​ مطبوع .

قيل في مكانة الفرزدق الاجتماعية و الأدبية أعظم الكلمات من أعظم الأشخاص ، و من هذه الأقوال :

قال يونس بن حبيب : «​​ لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس​​ »

قال أبو عبيدة : «​​ عاش الفرزدق تسعين سنة كان منها خمسة وسبعين سنةً يُباري الشعراء، ويهجو الأشراف فيضعهم، وماثبت له أحد قط إلا جرير​​ »

قال أبو الفرج الأصفهاني : «الفرزدق مقدّم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل، ومحلُه في الشعر أكبر من أن يُنبّه عليه بقول، أو يدل على مكانه بوصف، لأن الخاص والعام يعرفانه بالإسم، ويعلمان تقدٌمه بالخبر الشائع​​ »

قال الشاعر الحطيئة لما سمع شعر الفرزدق وهو غلام صغير : «هذا والله الشعر، فقيل له أتفضله على نفسك ! فقال: بلى والله، أفضله على نفسي وعلى غيري، وقد أدركت من قبلك، وسبقت من بعدك، ثم قال الحطيئة للفرزدق: يا غلام لئن بقيت لتبرزن علينا​​ »

قال الشاعر جرير : «الفرزدق نبعة الشعر​​ »

قال مالك بن الشاعر الأخطل التغلبي : «الفرزدق ينحت من صخر، وجرير يغرف من بحر، فقال الأخطل الذي ينحت من صخر أشعرهما​​ »

قصائد الفرزدق :

يبلغ عدد قصائده قرابة ٢٩ قصيدة​​ اختلفت عن بعضها باختلاف المناسبات التي قالها فيها ،​​ و لعل​​ من​​ أجمل ما​​ كتبه ،​​ و من أروع قصائده​​ ،​​ قصيدة يا سائلي التي مدح فيها​​ زين العابدين علي بن الحسين ،​​ و ما​​ يلي جزء من​​ القصيدة​​ تلك​​ التي يبلغ عدد​​ أبياتها كاملةً​​ ٤١​​ و هي من أشهر​​ قصائد شاعرنا​​ همام بن غالب :

يَا سَـائِلِي‌ أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ

عِنْـدِي‌ بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا

هَذَا الذي‌ تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ

وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ

هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ

هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ

صَلَّي‌ عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَي‌ القَلَمُ

لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ

لَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطَي‌ القَدَمُ

هَذَا علی رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُ

أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ

هَذَا الَّذِي‌ عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌ

وَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ

هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْوَانِ فَاطِمَةٍ

وَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ

إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا

إلَی‌ مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي‌ الكَرَمُ

يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحته

رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ​​ يَسْتَلِمُ .

شرح الأبيات :

أراد الفرزدق في بداية القصيدة أن يُعرّف هشام بن عبد الملك بهذا الرجل​​ ،​​ فهو معروفٌ لدى مكّة المكرمة​​ كلها​​ ، وبيت​​ الله ،​​ والبطحاء هي أرض مكة المكرمة الواسعة​​ ،​​ ثم اتجه​​ بكلماته​​ ليصف زين العابدين​​ ، و​​ يقول بأنّه يتّصف​​ بالعفة​​ والإيمان ، كما​​ أشار​​ إلى نسبه الممتد​​ للنبي .

​​ بعد​​ أن أنهى​​ عرض​​ أبرز​​ صفات الإمام زين العابدين​​ الخلقية​​ ،​​ بدأ​​ الفرزدق​​ بالتوجه و الدخول للتفاصيل​​ فيورد الحقيقة الواضحة التي لا خلاف​​ فيها​​ و لا اختلاف​​ ،​​ فهو ابن فاطمة الزهراء وجدّه خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ولا فخر بنسب بعد هذا​​ النسب​​ الأصيل .

تناقل المؤرخون شعر الفرزدق دون كلل أو ملل ، لما فيه من قوة و تميز و صور فنية غير مُبتذلة ، و لا زال إلى يومنا هذا مرجعاً للشعراء الفتيّين​​ ، و قدوةً لهم .

إعداد و تحرير : أريج غانم .