الشعر في عصر صدر الإسلام
كثرت الأشعار وانتشرت القصائد في عصر صدر الإسلام، كما توحدت المعاني وتشابهت الأساليب، لكن لمسات الاختلاف كانت تظهر من شاعر لآخر، مع جمالية فريدة شهدها عصر صدر الإسلام من جميع الجوانب ولا سيما جانب الحياة الأدبية.
ألقى طفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
لا وإله الناس نألم حَرْبهم ولو حاربتنا منهبٌ وبنو فهم
ولما يكن يومٌ تزول نجومه تطير به الركبان ذو نبأ ضخم
أسلِما على خسْفٍ ولست بخالد وما لي من واقٍ إذا جاءني حتمي
فلا سلم حتى تخفر الناس خيفةٌ وتصبح طير كانسات على لحم
وعرضت قتيلة بنت النضر بن الحارث على النبي الكريم هذه الأبيات:
يا راكبًا إن الأثيلَ مَظِنَّةٌ من صُبْحِ خامسةٍ وأنت موفَّق
أمحمدٌ ها أنت نَجْلُ نجيبةٍ من قومها والفحلُ فحلٌ مُعرِق
ما كان ضَرَّك لو مَنَنت وربما مَنَّ الفتى وهو المَغيظ المخنق
والنضْرُ أقربُ من قتلتَ وسيلةً وأحقهم إن كان عِتْقٌ يعتق
كتب حسان بن ثابت في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:
محمد المبعـوث للنـاس رحمـةً يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلـح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبـةً لداود أو لان الحديـد المصفـح
فإن الصخور الصمَّ لانـت بكفـه وإن الحصـا فـي كفـه ليُسَبِّـح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا فمن كفه قد أصبح المـاء يَطفـح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعـةً سليمان لا تألو تـروح وتسـرح
فإن الصبا كانـت لنصـر نبينـا ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فـإن مفاتيـح الكنـوز بأسرهـا أتتـه فـرَدَّ الزاهـد المترجِّـح
وإن كان إبراهيـم أُعطـي خُلـةً وموسى بتكليم على الطور يُمنـح
فهذا حبيـب بـل خليـل مكلَّـم وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشـرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا ويشفع للعاصيـن والنـار تَلْفـح
وبالمقعد الأعلى المقـرَّب نالـه عطـاءً لعينيـه أَقـرُّ وأفــرح
وبالرتبة العليـا الوسيلـة دونهـا مراتب أرباب المواهـب تَلمـح
ولَهْوَ إلـى الجنـات أولُ داخـلٍ له بابهـا قبـل الخلائـق يفتـح
وعندما رأى حسان بن ثابت الرسول الكريم ألقى هذه الأبيات:
لما رأيت أنواره سطعت وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفاً على بصري من حسن صورته فلست أنظره إلا على قدري
روح من النور في جسم من القمر كحلية نسجت من الأنجم الزهر
وقيل أيضا في مدح نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم:
كتابٌ جَليلٌ طابَ في مَدحِ أحمَد حَبيب آله العَرشِ سيّدُ مَن بدا
فمدحُ الرّسُولِ المُصطفى خيرُ نِعْمَةٍ بها نالَ أهلُ الحبِّ واللهِ مَقصِدا
فَهاكَ كتابًا للتوسُّلِ جامِعًا لِخَيرِ الوَرى من قد تَسَمّى مُحمّدا
تَوسَلْ به إنْ جَارَ دهرٌ بفعلِهِ تنَلْ كلَّ ما ترجو وتنجو من الرّدَى
يفوقُ نِظَام الدرّ عقد نِظامِهِ حَبَانا به الفردُ الهمامُ أبو الهُدَى
وقيل أيضا:
كُنْ يا حَبيبي لـي شَفِيعاً عِندَما تَفني الحياةُ ويَنتَهي التَشييدُ
لَكَ يا ابنَ عَبْد اللهِ في حَلاوةٌ فـالقَلبُ يَنْطِقُ واللِّسانُ يُعِيدُ
فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَـذْكُرَ اسمَكَ دَائِماً فَبِنـورِ ذِكْرِكَ يَعْذُبُ التَرديدُ
إِنَّ الَّذي بَعَثَ النَبِيَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ الخِلافَةَ في الإِمامِ العادِلِ
وَلَقَد نَفَعتَ بِما مَنَعتَ تَحَرُّجًا مَكسَ العُشورِ عَلى جُسورِ الساحِلِ
قَد نالَ عَدلُكَ مَن أَقامَ بِأَرضِنا فَإِلَيكَ حاجَةُ كُلِّ وَفدٍ راحِلِ
إِنّي لَآمُلُ مِنكَ خَيراً عاجِلًا وَالنَفسُ مولَعَةٌ بِحُبِّ العاجِلِ
وَاللَهُ أَنزَلَ في الكِتابِ فَريضَةً لِاِبنِ السَبيلِ وَلِلفَقيرِ العائِلِ
قال كعب بن زهير في قصيدة البردة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ
أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ
يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ
عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ
كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ
تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ
قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ
تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ
سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ
يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ
كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ
وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا
شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ
نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ
تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ
يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ
وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ
فكانت هذه أشهر الأبيات التي انتشرت في عصر صدر الإسلام، قدمناها لكم بطريقة واضحة مفهومة.