الشعر في عصر صدر الإسلام

 

خصائص الشعر في عصر صدر الإسلام

تميز الشعر في عصر صدر الإسلام بخصائص تختلف عن باقي​​ الأشعار التي صدرت​​ في العصور السالفة واللاحقة،​​ فاتسم بمعانيه وأسلوبه الفريد،​​ وتأثر شعراء هذا​​ العصر بالشعراء الذين​​ سبقوهم حتى ظهر أدب إسلامي​​ مميز بشعره وشعرائه.

خصائص الشعر في عصر صدر الإسلام​​ من حيث المعاني:

اختلفت معاني الشعر في عصر صدر الإسلام عن المعاني في العصر الجاهلي، وكان السبب هو ظهور الإسلام وتأثيره​​ بفئة الشعراء وقصائدهم الشعرية:

  • كانت معاني القصيدة الإسلامية تدور حول العقيدة والدين​​ وتخدم الإسلام.

  • كانت القصيدة الإسلامية تتضمن​​ معاني مستمدة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.

  • كانت معاني القصيدة الإسلامية​​ واضحة بعيدة عن التخبط.

  • كانت معاني القصيدة الإسلامية تحمل النصيحة والورع والرشد.

  • كانت معاني القصيدة الإسلامية قريبة من المدح والحماسة.

خصائص الشعر في عصر صدر الإسلام من حيث​​ الأسلوب:

كما أن الأسلوب في قصيدة عصر صدر الإسلام اختلف عن الأسلوب في القصيدة الجاهلية، وظهر ذلك فيما يلي:

  • كان أسلوب القصيدة الإسلامية متأثرا بأسلوب القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

  • كان أسلوب القصيدة الإسلامية خال من الجفاف والغلظة والتعقيد.

  • كان أسلوب القصيدة الإسلامية​​ عاطفيا كأسلوب​​ العقيدة الإسلامية الرقيقة.

  • كان أسلوب القصيدة الإسلامية​​ يتميز بألفاظه السهلة اليسيرة.

  • كان أسلوب القصيدة الإسلامية يحمل​​ ألفاظ جديدة مثل الجنة والنار​​ والكفر والشرك والعقاب والثواب.

  • كان أسلوب القصيدة الإسلامية بعيدا عن التكلف والصنعة.

  • كان أسلوب القصيدة الإسلامية متخلصا من أسلوب القصيدة الجاهلية الثقيل الصعب.

أغراض الشعر في عصر صدر الإسلام​​ 

جاء الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجا،​​ وبدأت التغييرات تطال جميع الجوانب ولاسيما أغراض الشعر التي انحصرت في مجموعة محددة:

الغرض الأول: المدح

تغيرت الظروف فتغيرت الأفكار والدوافع، وبات الشعراء يكتبون قصائدهم المدحية لمدح رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام والرسالة الحقة،​​ وكان هدفهم الأول هو رفع راية الإسلام في القمم العليا ونشر الدين الإسلامي على أوسع نطاق،​​ على عكس الغايات التي رافقتهم في​​ مدائح الشعر الجاهلي والتي تلخصت في الحصول على المال،​​ وكانت المدائح في عصر صدر الإسلام مختلفة تماما عن المدائح في العصر​​ الجاهلي؛ لأن الهدف أسمى والغاية أصح،​​ فلم يمدح الشعراء الرسول الكريم بشجاعته أو بكرمه كما كانوا يمدحون الملك والخليفة،​​ وإنما مدحوه بطريقة هدايته للناس وإرشاده للخلق،​​ ​​ وإضاءته لسبيل المسلمين​​ وحياتهم.

الغرض الثاني: الهجاء

بدأ الشعراء يكتبون قصائدهم الهجائية بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم​​ وحصول النزاعات بين مكة والمدينة، فانبرى شعراء مكة​​ المكرمة​​ بنظم​​ قصائد تحمل بين سطورها هجاء لاذع​​ يخصون به أهل المدينة وتحديدا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم​​ والصحابة،​​ وأصبح أهل المدينة يردون عليهم بقصائد الهجاء، إلا أن هذا الهجاء لامس صفات الجبن​​ والهوان والضعف والتذلل الموجودة عند​​ المشركين،​​ وهي صفات قديمة، لكنهم جددوها وأضافوا إليها صفات الشرك بالله تعالى والكفر بالدين الصحيح،​​ فكانت صفات ثقيلة استصعبتها عقول المشركين وقلوبهم،​​ وبعد تحقيق فتح مكة المكرمة​​ تراجع شعر الهجاء، ونبه الخلفاء والصحابة​​ الشعراء بأن يتوقفوا عن هجاء المشركين ويكتبون قصائد يدافعون فيها عن دين الإسلام والمسلمين،​​ فظهر إبداعهم الغني وإجادتهم​​ الوافرة.

الغرض الثالث: الحماسة

انتشر شعر الحماسة في العصر الجاهلي لكن في عصر صدر الإسلام كان مختلفا مغايرا،​​ فلم يعد الشعراء في​​ هذا العصر يميلون إلى اللهو في قصائدهم ولا يدخلون الغزل​​ المحسوس في أشعارهم،​​ فأصبحوا بعيدين عن العبث وشرب​​ الخمر،​​ كما أنهم صاروا بعيدين عن الثأر​​ فلم ينتقموا ولم​​ يعتمدوا الإغارة،​​ بل صار شعارهم في القصائد هو​​ الجهاد والبطولة، أما عن العصبية التي انتشرت في العصر الجاهلي​​ نجدها قد تلاشت في عصر صدر الإسلام​​ وانحسرت،​​ إلى أن أصبح شعر الحماسة في قصائد عصر صدر الإسلام نابعا من روح الجماعة الإسلامية​​ التي تسعى لتحقيق هدف وحيد لا ثان له، ويعتمدون على مبدأ ثابت لا تراجع فيه.

 

الغرض الرابع: الرثاء

كان شعر الرثاء أكثر الأشعار المنتشرة في عصر صدر الإسلام، وربما سبب ذلك​​ هو لجوء أغلب الشعراء إلى رثاء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم،​​ ورثاء الخلفاء الراشدين بعد أن وافتهم المنية،​​ فنلحظ إبداع شعراء هذا العصر​​ الذي جعلهم يمزجون الحزن الصادق بالعاطفة الصادقة​​ ورسمها بين سطور أبيات شعرية توارثتها الأجيال على مر العصور،​​ ولكن أي قصيدة رثائية هذه التي ستصف فاجعة وفاة النبي الكريم؟ وأي كلمات ستصف مشهد الضياع الذي​​ ستتعايش معه الأمة الإسلامية بعد رحيل أخير رجالها؟

رغم جميع المحاولات التي​​ أجراها شعراء عصر صدر الإسلام إلا أنهم لم يعطوا هذه الحادثة حقها من​​ الكلمات، وربما لا يوجد كلمات تصفها، لكنهم أبدعوا وأجادوا.

وخلا الحديث​​ أن​​ الأدب الإسلامي كان تعبير​​ فني​​ يحمل في طياته هدف يتوجه نحو ​​​​ الحياة والكون​​ والخلق انطلاقا من ركيزة​​ إسلاميَّة​​ ومنظور​​ إسلاميّ،​​ كما يعد الأدب الإسلامي​​ ملتزم​​ يستند في ذلك​​ على​​ العقيدة الإسلاميَّة​​ والشرع، فهو​​ منبثق​​ عن رسالة​​ الإسلام القويمة،​​ التي​​ مهِّدت​​ الطَّريق​​ لتأسيس​​ المجتمع​​ الصحيح بصلاحه،​​ ودعت​​ إلى​​ الرجوع​​ إلى الله​​ تعالى، فهو​​ الذي يتولى​​ انتشال هذه​​ الأمَّة الإسلاميَّة من​​ قيعانات الخراب،​​ وكان هناك​​ أدباء​​ في عصر صدر الإسلام حملوا هذه القضية​​ بأشعارهم​​ واستندوا في​​ معانيهم​​ على​​ الوحي​​ والهدى الذي نشره الأنبياء​​ وكان ذاك الأثر​​ بالغا عظيما واكب​​ الأزمان​​ ووصل​​ إلى هذا اليوم​​ وسيصل إلى ما بعد ذلك،​​ مع توجيهها إلى​​ جميع الفئات وجميع الشعوب مهما اختلفت الثقافات وتعددت اللغات.​​ 

وكان​​ الأدب في عصر صدر الإسلام​​ متعدد​​ الموضوعات​​ التي انبثقت​​ من مصادر​​ مختلفة،​​ وكان أبرزها مصدر​​ القرآن الكريم​​ والسبب هو وجود​​ معانٍ وأساليب ومعارف​​ متنوعة في هذا المصدر العظيم،​​ ويتمتع​​ بخصائصَ فنيَّةٍ وسمات​​ بلاغيَّةٍ وفرائد​​ لها صلة وثيقة بالإعجاز، وثاني​​ أبرز هذه​​ المصادر هو الحديث النَّبوي الشَّريف، أي ما جاء​​ عن النَّبي محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم​​ سواء كانت​​ أقوال أو​​ أفعال،​​ ففصلت وشرحت​​ ووضحت​​ كل ما كان غامضا ومجهولا​​ في التَّشريع الإسلامي،​​ مع تبيان الجمالية في​​ اللَّفظ​​ والإشراق في​​ المعنى فيما يتعلق بالأحاديث التي وردت​​ عن​​ النَّبي،​​ إضافة إلى ثالث أبرز هذه المصادر وهو​​ الشِّعر الجاهلي وما​​ حمل​​ من معانٍ​​ عظيمة​​ وعباراتٍ​​ راسخة، وكذلك​​ الأدب الأجنبي الَّذي​​ جاءنا​​ من​​ بلاد فارس​​ والرُّوم​​ نتيجة​​ التمازج الحضاري والثقافي​​ الذي أنبت​​ مصادر جديدةً للأدب.