الشعر في عصر صدر الإسلام
الشّعر في عصر صدر الإسلام تميّز بالالتزام، حيث بدأ مع بداية رسالة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلم وانتهى مع نهاية حكم الخلفاء الرّاشدين، فحمل طابع العقيدة الإسلاميّة، وترنّم بالواجبات الّتي حثّ عليها التّشريع الإسلاميّ والنّواهي الّتي حذّرنا منها، فكيف سيكون هذا الشّعر الّذي استمدّ مضامينه من القرآن الكريم أبلغ الكتب وأكثرها إعجازاً على الإطلاق؟!
بداية عصر صدر الإسلام مع الشّعر
سيطر الشّعر على الجانب الثّقافي لعصر صدر الإسلام، وكان الشّعراء يعبّرون عن جميع جوانب حياتهم من خلال الشّعر، فإذا راودك فضول الاطّلاع على الحياة في ذاك العصر عليك التّوجّه إلى أشعارهم فهي خير دليلْ على ما كان، ولكن عندما أخذ دين الإسلام بالتّوغّل في الأراضي العربيّة ووصلت المعجزة العظيمة ألَا وهي القرآن الكريم ضعُف الشّعر ووقف الشّعراء في صمتٍ مُطبقٍ نتيجة الدّهشة من بلاغته وإعجازه، فأخذوا خطوتهم الأولى بالدّخول في دين الإسلام، ثمّ اطّلعوا على تعاليمه ونواهيه محاولين محاكاته في شعرهم الّذي أخذ هيكل القصيدة الجاهليّة ومضمون المعاني الإسلاميّة.
نظرة الإسلام إلى الشّعر في عصر صدر الإسلام
اعتقد الكثير من النّاس أنّ الله تعالى حرّم الشّعر ومنع الشّعراء دخول الجّنّة، وكانت حجّتهم مرهونةً بآياتٍ قرآنيّةٍ، فهل كان اعتقادهم صحيح؟ وما هي الآيات القرآنيّة الّتي استندوا عليها في اعتقادهم؟
قال تعالى في سورة الشّعراء:
{ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ*إِلَّا الذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلِواْ الصَالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللهَ كَثِيرًا وانْتَصَرُواْ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ }
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
[ إنَّ من الشّعر لَحكمة ]
وقال أيضاً:
[ أصدق كلمةٍ قالها شاعر؛ كلمة لبيد: " ألَا كلّ شيءٍ ما خَلَا الله باطلُ "]
وقال صلّى الله عليه وسلم لحسّان بن ثابت:
[ هاجهم وجبريل معك ]
وعن ابن عمر عن رسول الله قال:
[ لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً ]
فهل جميع هذه الدّلائل تحمل معاني حرمانيّة الشّعر ورفض الله تعالى ورسوله له؟!
سنبدأ بالآية الكريمة الّتي وردت في سورة الشّعراء، هي ذَمّت الشّعراء الّذين هجوا رسول الله والدّين والرّسالة، والدّليل قوله سبحانه وتعالى { إِلَّا الذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلِواْ الصَالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللهَ كَثِيرًا { فالشّعراء الّذين جدّدوا إيمانهم الصّادق بالله تعالى سيغفر لهم، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الذّمّ موجّهٌ إلى الطّريقة الّتي اعتمدها الشّعراء المشركون، من قولٍ بغير فعلٍ، وهجاء وشرب خمر وزيف وضلال ولاسيما الهجاء الفاحش الّذي اعتمده بنو قريش ضدّ الرّسول والدّين والرّسالة الحقّة، فيتبعهم النّاس الّذين ملأ قلوبهم الفساد، وكان الإسلام حريصاً على المسلمين فقدّم لهم آيات وأحاديث تفتح قلوبهم للهداية والنّور، فكيف يمكن للمرء أن يُعيد أدراجه بالعودة إلى الهداية والنّور؟
من المؤكّد أنّ الله لن يتركه، وإنّما قدّم صفات يجب أن يتحلّى بها المسلم إنْ كان شاعراً أو غير ذلك، وعندها يتقبّل الله تعالى منه عودته وإيمانه:
الإيمان بالله تعالى ورسله وكتبه في القول والفعل
قراءة القرآن وكتب السّنّة وفهمها ودرايتها بعيداً عن الانشغال بالشّعر
استخدام الشّعر في الدّفاع عن الدّين الإسلاميّ والرّسل والحقّ
والآن سننتقل إلى قول الرّسول الكريم [ إنَّ من الشّعر لَحكمة ] الّذي أيّد الآية الكريمة وأكّد معناها، وكان قد أظهر إعجابه بقول لبيد، ولبيد هو شاعر، فكيف لنبيّ الله أن يُعجب بأقوال شاعرٍ إذا كان الشّعر محرّماً؟! وكيف له أن يشجّع حسّان بن ثابت على الهجاء والرّدّ على المشركين بطريقةٍ شعريّةٍ؟!
ونعود من حيث بدأنا إلى أنّ الإسلام لم يُحرّم الشّعر أو يرفضه وإنّما قلب المعاني إلى جهة الإسلام والحقّ، كما أنّ الله تعالى لا يريد أن يُلهي الشّعر قلب المسلم عن القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة، حتّى أصبح الصّحابة يعلِّمون النّاس القرآن بتعاليمه مع الاهتمام بالشّعر دون العودة إلى عادات الجاهليّة الوضيعة الخاطئة المرفوضة من قِبَل الإسلام، فأبو بكر استمع إلى الشّعر وعمر بن الخطاب قال الشّعر وعثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب، فكانت قصائد حكمة أو حماسة وغير ذلك الكثير، كما منعوا الشّعراء من الهجاء والهجوم على الإسلام والنّاس، كما حدث مع عمر بن الخطّاب والحُطيئة، وفي هذا الصّدد نذكر حادثة عليّ بن أبي طالب وأبي الفرزدق عندما جاء بابنه قائلاً لعليّ: " إنّ ابني هذا من شعراء مُضَر فاسمع له " فردّ عليه علي : " علِّمه القرآن " وفي ذلك إشارة إلى أنّه مهما فاقت معرفتك بالشّعر لابدّ من معرفة القرآن والعلم به، فلمّا توجّهوا إلى تفسير القرآن اضطّروا إلى الاطّلاع على الشّعر لمعرفة المعاني ومقاصد الألفاظ، فهل كانت أشعارهم قويّة للحدّ الّذي يجعلهم يستفيدون منها أم انّها كانت ضعيفة؟
قوّة الشّعر وضعفه في عصر صدر الإسلام
تناثرت الآراء حول موضوع قوّة الشّعر وضعفه في عصر صدر الإسلام، فتنوّعت وتعدّدت، نذكر منها:
رأي ابن سلّام الّذي قال:
" فجاء الإسلام وتشاغلت عن الشّعر العرب، وتشاغلوا بالجّهاد وغزو فارس والرّوم، ولهَت عن الشّعر وروايته فلمّا كَثُر الإسلام، وجاءت الفتوح، واطمأنّت العرب بالأمصار راجعوا رواية الشّعر، فلم يؤولوا إلى ديوانٍ مدوّنٍ ولا كتابٍ مكتوبٍ، وألِفوا ذلك وقد هُلِك من العرب من هُلِك بالموت والقتل، فحفظوا أقلّ ذلك وذهب عليهم منه كثير."
وقد أورد قوله هذا في كتابه طبقات فُحول الشّعراء، وأيّده نقّادٌ كثيرون مثل ابن خلدون ومصطفى الشّمعة وأحمد الزّيّات وغيرهم.
رأي شوقي ضيف المعاكس لرأي ابن سلّام، فتحدّث عن ازدهار الشّعر وكثرة الشّعراء مع ذكر الشّواهد الّتي تدعم رأيه وتتناول الدّعوة الإسلاميّة الحقّة.
فإذا أجزمنا بقوّة الشّعر نقول إنّ بعض الأغراض أصابها قِلّةٌ وندرةٌ بسبب الحاجة إلى اعتماد أغراض معيّنة كانت الدّولة قد دعمتها والظّروف هيّأتها، مثل شعر الهجاء بين المسلمين والمشركين وشعر الفتوح وشعر الدّفاع عن الدّين والرّسول أمّا إذا أجزمنا بضعف الشّعر نقول إنّ السّبب معقودٌ بعدم قدرة شعراء العصر الإسلاميّ على التّأقلم مع العادات الجديدة من حيث السّلوك بشكلٍ سريعٍ، فكيف إذا لَزِم الأمر أن تتغيّر وجهة أشعارهم بجانبٍ مختلفٍ تماماً؟!
قدّمنا لكم موقف الإسلام من الشّعر في عصر صدر الإسلام، وكيف أخذ سبيله عند الشّعراء وما إذا كان طابعه القوّة أو الضّعف، وسنكون معكم دائماً لتقديم معلومات تُغني معارفكم العظيمة.