شعراء​​ عصر صدر الإسلام

 

شعراء عصر صدر الإسلام انقسموا في فئتَين؛ الفئة الأولى​​ تتمثّل​​ بشعراء​​ مخضرمين عاشوا في العصر​​ الجاهليّ​​ والعصر الإسلاميّ، والفئة الثّانية تتمثّل​​ بشعراء​​ عاشوا في العصر​​ الإسلاميّ​​ فقط.

شعراء مخضرمون لهم​​ بصمةٌ​​ في عصر صدر الإسلام​​ 

فئةٌ​​ من الشعراء عاشوا في العصر​​ الجاهليّ​​ وبعدها في عصر صدر الإسلام،​​ أيّ​​ أنّهم أدركوا العصرَين، فأُطلِقت عليهم صفة الخضرَمة؛ لأنّهم عاشوا في عادات​​ الجاهليّة،​​ وعند وصول الإسلام اضطّروا إلى محاكاته والتّعايش معه​​ رغم اختلافه​​ التّامّ​​ عمّا سبقه، فتأثّروا بأحكامه وقوانينه الجديدة وأصول العقيدة، فقارئ كتب الأدب والتّاريخ يجد أشعارهم​​ منثورةً​​ باحترافٍ​​ مُخضرمٍ​​ بين سطور​​ أهمّ​​ الموسوعات تحكي تعاليم الإسلام​​ بلغةٍ​​ شعريّةٍ​​ فصيحةٍ​​ لامستْها​​ روحٌ​​ إسلاميّةٌ​​ نقيّةٌ​​ وكانت المدينة المنوّرة خير الأرحام الّتي​​ أنجبت شعراء كان لهم بصمة في عصر صدر الإسلام، كيف لا وهي مدينة رسول الله؟!​​ وكانوا يُساندون الرّسول الكريم ويواجهون أعداءه ويدافعون عن رسالته الحقّة​​ بحماسةٍ​​ وإيمانٍ.

شعراء المدينة المنوّرة في عصر صدر الإسلام​​ 

هناك​​ شعراء كان لهم​​ أثرٌ​​ بارزٌ​​ في عصر صدر الإسلام، فتميّزوا بشعرهم​​ الإسلاميّ​​ ودفاعهم عن النّبيّ​​ محمد صلّى الله عليه وسلم ورسالة الدّين الصّحيح:

  • حسّان بن ثابت

  • عبد الله بن رُواحة

  • كعب بن مالك

  • الحُطَيئة

  • الخَنساء

  • النّابغة​​ الجَعْديّ

  • أبو ذؤيب​​ الهُذليّ

  • كعب بن زهير

حسّان بن ثابت

هو حسّان بن ثابت بن المنذر، من قبيلة الخزرج، ذكرت المصادر أنّه عاش في العصر​​ الجاهليّ​​ ستّين​​ سنةً​​ وفي العصر​​ الإسلاميّ​​ ستّين سنةً،​​ وكثيراً​​ ما زار قصور ملوك غسّان، فهو لسان الخزرج في السِّلم والحرب والمناسبات،​​ ولاسيما في حرب الأَوس والخزرج الّتي نشَبت في العصر الجاهليّ،​​ وكانت عصبيّته الشّعريّة أحد​​ الأسلحة الّتي يوجّهها​​ ضدّ​​ كلّ​​ مَن يُسيء للدّين​​ الإسلاميّ​​ وللنّبيّ​​ ولقومه عامّةً​​ فيهجوه​​ هجاءً​​ مرّاً، وكان قد طَلّق زوجته " عَمرة " لأنّها أساءت إليه من جهة​​ أخواله.

قبل دخوله في دين الإسلام:

كان يتردّد​​ بكثرةٍ​​ إلى مجالس الخمر واللّهو، فيقصدها وينفق ماله وثروته للاستماع إلى غناء القِيان وشرب الخمر،​​ وكان يقول:

تقول شعثاء لو تفيق من الكأ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ س لألفيت مثري العدد

عند دخوله في الإسلام:

بعدما هاجر الرّسول صلّى الله عليه وسلم كان حسّان بن ثابت أحد الشّعراء الّذين دخلوا في الإسلام، وكان هناك شعراء من قبيلة قريش لم يعتنقوا الدّين الجديد فحاربوا​​ النّبيّ​​ وهجوه مع أصحابه، فاقترح حسّان على الرّسول الكريم​​ ردّ​​ الهجاء وكان الرّدّ​​ على اقتراحه​​ مُعنْوناً​​ بخوف النّبيّ​​ على أذى قريش باعتبارها قبيلته ونسبه، فطمأنه حسّان بأنّه​​ سيردّ​​ هجاء الشّعراء الّذين أذوه وهجوه ويُعيِّرهم بالمثالب والأنساب​​ إضافةً​​ إلى المعارك الّتي أُخفِقوا فيها، وكان أبو بكر الصّدّيق معلّمه في علم الأنساب فهل​​ لتلميذٍ​​ معلّمه الصّدّيق أن يفشل؟! لا، وألف لا.

وما هي إلّا​​ فتراتٌ​​ قليلةٌ​​ حتّى بات الرّسول الكريم يشجّع حسّان على الهجاء ويدعو له، وقال في ذلك:

]​​ لَهذا​​ أشدّ​​ عليهم من وقْع النُّبُل ]

وفيما بعد أُطلِق عليه " شاعر الإسلام وشاعر الرّسول "​​ وجاءت هذه التّسمية من​​ دفاعه المُستميت عن الدّين​​ الإسلاميّ​​ والنّبيّ​​ الكريم والمسلمين كافّةً، وكان في إحدى المواجهات​​ يردّ​​ على الزّبرقان بن بدر​​ قائلاً:

إنّ ​​​​ الذّوائب من​​ فهرٍ​​ وإخوتهم  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ قد بيّنوا​​ سُنّةً​​ للنّاس تتبع

يقوى بها​​ كلّ​​ من كانت سريرته  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ تقوى الإله وبالأمر الّذي شرعوا  ​​​​ 

قومٌ​​ إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا

سجيّةٌ​​ تلك منهم غير​​ محدّثةٍ​​  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ إنّ​​ الخلائق فاعلم شرّها البِدع

أعفّةٌ​​ ذكرت في الوحي عفّتهم  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ لا يطمعون ولا يرديهم الطّمع

 

وكان الرّواة الثّقات منذ​​ زمنٍ​​ قد أجمعوا على​​ أنّ​​ حسّان بن ثابت​​ أشْعرُ​​ أهل المدينة في عصر صدر الإسلام، وأشْعرُ​​ أهل اليمن، أمّا الرّواة المحدثون فقالوا​​ أنّ​​ سبب انتشار أشعاره هو غرضها الإسلاميّ، وكان الرّاوي بروكلمان صاحب هذا الرّأي.​​ 

عبد الله بن رُواحة

هو عبد الله بن رُواحة بن ثعلبة بن الحارث بن الخزرج​​ الأنصاريّ​​ الخزرجيّ، كُنّي بأبي محمّد، وكبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة من بني الحارث بن الخزرج هي أمّه، وكان مصعب بن عُمير بوصلته إلى الإسلام، ومنذ تلك اللّحظة سخّر شعره لخدمة الدّين​​ الإسلاميّ​​ والمسلمين.

رافق رسول الله في هجرته ودعا إلى الإسلام، وكان سلاحه يتمثّل بلسانه​​ وسيفه​​ فشارك في غزوة أحد وبدر والخندق ومؤتة وبيعة الرّضوان، وتوفّي في غزوة​​ مؤتة​​ في السّنة الثّامنة للهجرة، من قصائده:

خلّوا بني الكفّار عن سبيله  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ خلّوا​​ فكلّ​​ الخير مع رسوله

نحن ضربناكم على تأويله  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ كما ضربناكم على تنزيله

ضرباً​​ يُزيل الهام عن مقيله  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ويُذهل الخليل عن خليله

كعب بن مالك

هو ابن أبي كعب، عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة​​ الأنصاريّ​​ الخزرجيّ​​ العتبيّ​​ الأحديّ، وفي العصر​​ الجاهليّ​​ كان يُعرف بأبي​​ البشير​​ وكان من أوائل الّذين دخلوا الإسلام، لكنه أخلف في غزوة تبوك إلّا​​ أنّ​​ الله تعالى عفا عنه مع اثنين فقط، وروى عن الرّسول الكريم ثلاثين حديثاً، كتب العديد من القصائد الّتي تناولت الحروب والغزوات والرّثاء، وفي أيّامه الأخيرة فقَدَ​​ بصره وتوفّي في السّنة الخمسين للهجرة، من قصائده:

فكفّ​​ يديه ثمّ​​ أغلق بابه  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وأيقن​​ أنّ​​ الله ليس​​ بغافلٍ

وقال لِمن في داره لا تُقاتلوا  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ عفا الله عن​​ كلّ​​ امرئٍ​​ لم يقاتل

فكيف رأيت الله​​ صبّ​​ عليهم  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ العداوة والبغضاء بعد التّواصل

وكيف رأيت الخير أدبر عنهم  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وولّى كإدبار النّعام الجوافل

الحُطيئة

هو جرول بن​​ أوس بن مالك العبسيّ،​​ ​​ لُقِّب بالحُطيئة لقِصر قامته وقربه من الأرض،​​ وهو​​ أهمّ​​ شعراء عصر صدر الإسلام،​​ لم يُعرف نسبه لكنّه وُلِد في قبيلة عبْس،​​ ليس له​​ أصلٌ​​ فعاش في الظّلم والحرمان والوحدة​​ إذ رفضته جميع​​ القبائل​​ فلجأ إلى الشّعر​​ حتّى يؤمن قوت يومه،​​ فأكثَر من الهجاء، فلم​​ ينجُ​​ منه أحد،​​ حتّى أهله ونفسه،​​ فكان ظاهر قصيدته​​ مدحٌ​​ وباطنها حكمةٌ، حيث قال:

مَن يفعل الخير لا يعدم جوازيه  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​  ​​​​ لا يذهب العُرف بين الله والنّاس

وقال في هجاء أمّه:

جزاك الله​​ شرّاً​​ من​​ عجوزٍ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​  ​​ ​​ ​​​​ ولقاك العقوق من البنين

أغربالاً​​ إذا استودعت​​ سِرّاً ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​  ​​​​ وكانوناً​​ على المتحدّثينا ​​​​ 

 

قدّمنا لكم في هذا المقال​​ نبذةً​​ مختصرةً​​ عن​​ شعراء عصر صدر الإسلام، مع استعدادنا لتقديم المزيد والإجابة عن استفساراتكم واقتراحاتكم.