الأخطل التغلبي
نقولُ الأخطل التغلبي و نأخذُ نفساً عميقاً ، فنحنُ أمام أحد ملوك شعراء العصر الأمويّ .
نغمةٌ موسيقية مميزة في المديح ، و سيفٌ حادٌّ من سيوفِ الهجاء في ذلك العصر ، فمن هو الأخطل الذي تجنب كلماته الناس آنذاك ؟ .
اسمه و نسبه :
هو غياث أبو مالك شاعرٌ عربيٌّ مسيحي من بني تغلب ، وُلد في العراق و نشأ في مدينة دمشق أقدم عواصم العالم .
ملخص من حياة الأخطل :
وُلِدَ غياث أبو مالك عام ١٩ للهجرة / ٦٤٠ للميلاد ، تزوج مرتين مثل أبيه و أنجبت له زوجته الأولى ولدين ثم انفصلا و كان سبب الطلاق مجهولاً ، و عندما تُوفيت تبينَ أنه لم ينسَها ، فكتب في رثاءها عدة أبيات .
شاعرنا المسيحي هذا لم يلتزم بتعاليم دينه ، فقد حرم الدين المسيحي تعدد الزوجات ، كما أنه أدمن الخمر و رُغم إدمانه إلا أن لسانه كان قوياً يفيضُ بالشعر المميز .
رفع غياث أبو مالك اسم قبيلته عالياً ، فاستغل عدة مرات وجوده في القصور لذكر اسم قبيلة تغلب لأنه لم يكن من نسبٍ مرموق و عانى في طفولته من تمييز زوجة أبيه بينه و بين أولادها ، فكان جُل تفاخره في بلاط الملوك باسم قبيلته .
تعاملَ الأخطل في معظم حياته مع الأمويين ، فحظوا بمديحه ، و قضى معظم حياته في بلاط الملوك و الحكام ، فتقرب منهم و نظم الشعر مادحاً لهم فقد كان مثل معظم شعراء العصر الأموي يحترفُ الشعر ففيه المكاسب المادية و الحماية .
تنقل أبو مالك كثيراً بين الجزيرة مسكن قبيلته و دمشق مسكن الأمويين آنذاك و قلت المعلومات الشخصية التي ترد عنه ، فكان جُل ما يُعرف عنه يتصلُ اتصالاً وثيقاً بأدبياته .
وافتهُ المنية و دُفِنَ في الجزيرة الفراتية عام ٩٢ للهجرة عن عمرٍ ناهز السبعين .
ملخص من حياته الأدبية :
اشتهرَ الأخطل التغلبي باهتمامهِ بشعره و اختياره للألفاظ الجزلة القوية ، تفوق على أبناء عصره في البلاغة و الفصاحة ، كتب في العديد من أغراض الشعر العربية إلا أنه تميز بالمديح و الهجاء فكان بجوار الفرزدق و جرير شعراء النقائض و هذا ما جعل الخليفة الأموي يستعين به لهجاء جماعة من الأنصار هاجموه و والده و شقيقته فاتهموها بقصصٍ غرامية معهم ، فنظم الأخطل حينها قصائداً سخرت من شأنهم و أثلجت صدر الخليفة الأموي ، و كان هذا الهجاء سبباً قوياً في جعله الناطق الرسمي و شاعر البلاط .
كما أنه هجا الفرزدق و جرير رغم تحيزه للفرزدق .
حصدَ الأخطل أموالاً طائلة من الأمويين نتيجة التغني بأمجادهم و عظمتهم و المديح الذي نظمه عنهم ، فكان أسلوبه المنمق و المزين و سعة اطلاعه و ثقافته الكبيرة جسراً مشى عليه نحو اكتساب محبة و ثقة الخليفة الأموي.
قصائد الأخطل :
كان الشعر مصدر رزقٍ أساسي لدى الأخطل و نتيجة ذلك ترك خلفه إرثاً شعرياً كبيراً يزيدُ عن ١٥٧ قصيدة و ديوانٌ جُمعت فيه كل قصائده إضافةً لكتب شملت تفاصيل حياته و النقد و التدقيق .
من أشهر قصائد الأخطل :
خَفَّ القَطينُ فَراحوا مِنكَ أَو بَكَروا
وَأَزعَجَتهُم نَوىً في صَرفِها
غِيَرُ كَأَنَّني شارِبٌ يَومَ اِستُبِدَّ بِهِم
من قَرقَفٍ ضُمِّنَتها حِمصُ أَو جَدَرُ
جادَت بِها مِن ذَواتِ القارِ مُترَعَةٌ
كَلفاءُ يَنحَتُّ عَن خُرطومِها المَدَرُ
لَذٌّ أَصابَت حُمَيّاها مُقاتِلَهُ
فَلَم تَكَد تَنجَلي عَن قَلبِهِ الخُمَرُ
الشرح :
يقفُ الشاعر كأبناء عصره بدايةً على الأطلال ، حيث يذكر أن الديار فارغة من أهلها فقد سارعوا إلى الرحيل بعد أن عرفوا بهيام قلب الشاعر بابنتهم كما جرت عادة العرب حينها ، كما تحدث الشاعر عن رحلتهم الصعبة و عن حاله و اتجاهه لشرب الخمر بكثرة الذي يجد فيه الهناء و اللذة فيتناسى همه و يثقل عقله .
من أشهر قصائد الأخطل في هجاء جرير:
عُرف عن الأخطل و جرير و الفرزدق أنهم شعراء النقائض في العصر الأموي ، يتبارزون بقوة أبياتهم و قصيدة كذبت عينك أو رأيت بواسط من القصائد الشهيرة جداً للشاعر الأخطل في هجاء جرير و قد تعود شهرتها إلى أن جرير اعترف حينها للأخطل بتفوقه و رُويَ أنه قال حينها "والله ما هزمني إلا بهذه القصيدة" ، فيما يلي مطلع القصيدة التي هي من البحر الطويل و نظمها الأخطل على نسق الشعر الجاهلي و تتألف كاملةً من حوالي ٤٧ بيتاً :
كَذَبَتكَ عَينُكَ أَم رَأَيتَ بِواسِطٍ
غَلَسَ الظَلامِ مِنَ الرَبابِ خَيالا
وَتَعَرَّضَت لَكَ بِالأَبالِخِ
بَعدَ ما قَطَعَت خُلَّةً وَوِصالا
وَتَغَوَّلَت لِتَروعَنا جِنِّيَّةٌ
وَالغانِياتُ يُرينَكَ الأَهوالا
يَمدُدنَ مِن هَفَواتِهِنَّ إِلى الصِبا
سَبَبًا يَصِدنَ بِهِ الغُواةُ طُوالا
ما إِن رَأَيتُ كَمَكرِهِنَّ إِذا جَرى فينا
وَلا كَحِبالِهِنَّ حِبالا
المُهدِياتُ لِمَن هَوَينَ مَسَبَّةً
وَالمُحسِناتُ لِمَن قَلَينَ مَقالا
يَرعَينَ عَهدَكَ ما رَأَينَكَ شاهِدًا
وَإِذا مَذِلتَ يَصِرنَ عَنكَ مِذالا
وَإِذا وَعَدنَكَ نائِلًا أَخلَفنَهُ
وَوَجَدتَ عِندَ عِداتِهِنَّ مِطالا
وَإِذا دَعَونَكَ عَمَّهُنَّ فَإِنَّهُ نَسَبٌ
يَزيدُكَ عِندَهُنَّ خَبالا
وَإِذا وَزَنتَ حُلومَهُنَّ إِلى الصِبا رَجَحَ الصِبا بِحُلومِهِنَّ فَمالا
الشرح :
وصفَ الأخطل في هذا القصيدة الخيل و طرادها ، و الفرسان و صراعها ؛ فنجدُ أنها تبثُ في نفس القارئ الشجاعة و القوة و الافتخار .
افتتح الشاعر الأخطل قصيدته هذه كما فعل شعراء العصر الجاهلي بالتشبيب و ذكر صفات الغواني ، و راح يتغنى و يتفاخر بعدها بعشيرته و قومه في فصل الشتاء ، و من التغني بقبيلته انتقل ليضرب سيوف الهجاء المرة بالشاعر جرير .
و بعد أن أجمع معظم المؤرخون و نقاد العصور، على كلمات الأخطل القوية ، و تعابيره المميزة لا يسعنا أن نقول سوى أن نكرر قولنا أن الأخطل التغلبي سيفٌ من سيوفِ الشعر ، يقطع العنق بالهجاء و يزينها كطوقٍ من ذهب و ألماس بالمديح .
إعداد و تحرير : أريج غانم .