ابن سهل الأندلسي: أحد علامات الشعر الأندلسي

 

كان الشعر الأندلسي زاخرًا بعدد من الشعراء المتميزين الذين أثبت شعرهم على مدار السنين مدى رقته وروعته، وكان من ضمن فحولة الشعر الأندلسي الشاعر ابن سهل الأندلسي، والذي سنناقش في هذا المقال لمحات عن حياته وتعليمه، وإسلامه، ثم نعرض بعضًا من أعماله المميزة.

 

ابن سهل الأندلسي هو إبراهيم بن سهل، وُلد في مدينة إِشْبِيلِيَة عام٦٠٩هجريًا، ويعد من ​​ شعراء بني هود الذين عاصروا أزهى عصور بلاد الأندلس مات غَرِيقًا في الأربعين من عمره، في سنة ٦٤٩؛ برز وتلألأ ابن سهل الأندلسي وسط بحر الأندلس الزاخر بالعلماء والأدباء والشعراء، وأثبت جدارته حتى لُقب بـ​​ شاعر إشبيلية ووشاحها، فهو لم يكن شاعر فقط بل كان أديبًا موهوبًا وكاتبًا متميزًا ف عصره، الذي اشتهر بالبراعة والبلاغة في موشحاته، وقد قيل فيه: “أنّه لو عُمّر أكثر لكان الأشعرَ في عصره”.

 

​​ حياة ابن سهل الأندلسي وإسلامه:

 

​​ قضى معظم حياته منذ ولادته في إشبيلية، يقال أنه ظل بها حتى عام ​​ 641هـجريًا، وبما أنه عاصر أزهى عصور الأندلس علمًا وثقافةً فقد نال قسطًا وفيرًا من كليهما، كما حصل على علمًا وفيرًا من علوم اللسانيات والمعارف العلمية وأيضًا العلوم الدينية، ونال ذلك كله عن طريق حلقات العلم التي كانت تنعقد في المساجد وكانت منتشرة بكثرة في تلك الحقبة، كما أنه كان هناك عدة عوامل ساهمت في وصوله بشعره إلى هذا القدر من البلاغة والبراعة وهي على سبيل المثال لا الحصر: مسيرته الطويلة مع أخبار العرب وشعرائهم وفنونهم، علم النحو الذي حصده من مصادر مختلفة، والكتب التي قرأها لكبار الكتاب والأدباء ومنها​​ الكامل​​ للمبرّد، والتبيين​​ للجاحظ، إضافةً إلى تميزه بسرعة بديهته وقدرته الكبيرة على الحفظ والاستذكار ومقدرته على التضمين والاقتباس.

 

أما عن إسلامه فقد كثُرت الأقاويل حول صدق اعتناقه للإسلام، حيث شكك عدد من الذين درسوا سيرته بإسلامه معللين ذلك بأن الإيمان لم يتمكن من قلبه، وكانت حجتهم هي ما قاله لابن سعيد عندما سأله عن ذلك الموضوع فرد قائلًا:” للنّاس ما ظهر ولله ما استتر”، ولكن على الجانب الآخر كان هناك من صدق وآمن بإسلامه ويظهر ذلك فيما أورده صاحبُ نفح الطيب من قول ابن مرزوق: “ولقد صحّح لنا مَن أدركناه من أشياخنا” أي أنّ ابن سهل مات على دين الإسلام، على أية حال كان شعر ابن سهل الأندلسي انعكاسًا كبيرًا للثقافة الإسلامية، وشعره في الغزل كان شعرًا عذريًا غايته الافتتان بالجمع بين التغزل بمحبوبه موسى وبين قصة نبي الله موسى – رضي الله عنه- فقط.

 

لننتقل الآن بتعمق إلى شعره وخصائصه ومقتطفات منه…

تميزت قصائده بكثرة احتوائها على الغزل والمجون والخمر، والموشحات أيضًا، كما أنه قام بكتابة عدد لا بأس به من المؤلفات الأدبية منها: ديوان إبراهيم بن سهل الأندلسي؛ وعندما حوصرت إشبيلية قام بكتابة وتنظيم قصيدة مستصرخًا فيها أهل العدوة، محفزًا إياهم على المشاركة في نصر الإسلام؛ وفيما يخص شعره في الخمريات والطبيعة فقد كان قليلًا، كما أنه أظهر فيه مدى حكمته وقدرته على إدارة الأمور، عاش ابن سهل الأندلسي حياته السلسة التي عاشها في استخدامه ​​ لفن المديح في شعره وقصائده، ليكون بذلك قد التزم بالقواعد التقليدية للقصيدة المدحية.

 

قال ابن سهل في قصيدته “انهض بأمرك فالهدى مقصود” بغرض المدح:

اِنهَض بِأَمرِكَ فَالهُدى مَقصودُ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وَاِسعَد فَأَنتَ عَلى الأَنامِ سَعيدُ

وَالأَرضُ حَيثُ حَلَلتَ قُدسٌ كُلُّها  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وَالدَهرُ أَجمَعُ في زَمانِكَ عيدُ

ماضي الزَمانِ عَلَيكَ يَحسِدُ حالَهُ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ لا زالَ غَيظَ الحاسِدِ المَحسودُ

 

ومعنى هذه الأبيات واضحًا في بساطتها، فهو يحث من يمدحه على النهوض بدولته، فهو شخص مدرك تمامًا لما يفعل بل إنه مهتدٍ له، ويزيد مادحًا بأن الأرض تصبح مقدسة بمجرد أن تطأها قدميه، ويصبح الجموع سعيدًا بوجوده كأنه العيد، بل أن الماضي الذي لا يوجد به لا رجاء منه، والحاضر الذي هو به ​​ زاد من غيظ الحساد له.

 

قال أيضًا في إحدى قصائده:

سَأُلزِمُ نَفسي عَنكَ ذَنبَ غَرامي  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ فَمَن بِدَمي إِن حُمَّ فيكَ حِمامي

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وَنَفسي دَعَتني لِلشَقاءِ كَما دَعَت  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ عِصاماً إِلى العَلياءِ نَفسُ عِصامِ

تنتمي هذه القصيدة القصيرة إلى بحر الطويل، قافية الياء(ي)، والتي يعبر فيها عن أساه على نفسه، وقسوته عليها في الوقت ذاته بإلزامها ألا تغرم مرة أخرى وبأنه ينأى بها عن أي غرام.

 

من شواهد ابن سهل الأندلسي الشعرية:

 ​​​​ اشتهر ابن سهل الأندلسي بكثرة تغزله بموسى، لذلك نجد الكثير من قصائده تتضمن ورود اسم موسى بها،​​ 

فقد كان هو شغل ابن سهل الشاغل، وفيما يلي شواهد شعرية تم انتقائها من ديوانه:

قال في قصيدته “كأن الخال في وجنات موسى“:

كَأَنَّ الخالَ في وَجَناتِ موسى سَوادُ العَتبِ في نورِ الوِدادِ

​​ وخَطَّ بِصَدغِهِ لِلحُسنِ واوًا فنقَّطَ خَدَّهُ بَعضُ المِدادِ

​​ لواحِظُهُ مُحيَّرَةٌ وَلَكِن بِها اهتَدَتِ الشُجونُ إِلى فُؤادي​​ 

أما في قصيدته “تسليت عن موسى بحبّ محمد” فقال:

​​ تَسَلَّيتُ عَن موسى بحُبِّ محَمَّدٍ هُديتُ ولولا اللَهُ ما كُنتُ أَهتَدي

​​ وما عن قِلىً قد كانَ ذاكَ وَإِنَّما شَريعَةُ موسى عُطِّلَت بِمُحمَّدِ

ويقول في هذه الأبيات أنه ما من شيء شغله عن موسى إلا حبه لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والذي كان سببا لهدايته ولكنه يقول أن الهداية بأمر الله في الأساس، ويوضح أن هذا لم يكن عن كره أو بغض وإنما شريعة محمد شغلته.

 

وقال ابن سهل في قصيدة له بعنوان “​​ طرقت منقبة تروع تحجبا”:

طرقَت مُنَقَّبَةً تروعُ تَحَجُّبًا هيهاتَ يَأبى البدرُ أَن يَتَنقَّبا

​​ والصُبحُ في حَلَكِ الدُجى مُتَنَقِّبٌ وحُلى الدَراري موشِكٌ أَن يُنهَبا​​ 

وَالفَجرُ يَكتُبُ في صحيفةِ أُفقِهِ أَلِفًا مَحَت نورَ الهلالِ المُذهَبا​​ 

بيضاءُ يَخفى البَدرُ مِن إِشراقِها قُصرى النُجومِ مَعَ الضُحى أَن تغرُبا

​​ ودَّعتُها فجنَيتُ مِن مُرِّ النَوى حُلوَ الوَداعِ مُنَعَّماً وَمُعَذَّبا

 

وفي الختام لقد نال شعر ابن سهل إطراء كثير من الأدباء والمؤرخين، فنجد أن ابن سعيد خصه بالذكر، والمقّري أشار إلى أن ديوانه “حاز قصب السبق في النظم والتوشيح”، وبالنسبة لشعره المتعلّق بالخمريات والطبيعة فرغم قلته ظهرت فيه مقدرته على التصرف اللغة، أما عن شعره في المديح فيعود أغلبه للمرحلة التي تلت إشبيلية، وكأن الانتقال المكاني رافقه انتقال نفسي، فلم يعد ابن سهل ذلك الشاعر كثير اللهو، والعبث، الذي لا يأخذ الحياة بجدية، وإنما اتصل بأهل السياسة وبالسياسة نفسها، ونظم عددا من القصائد المدحية ملتزمًا بالقواعد التقليدية للقصيدة المدحية وما تقتضيه من غزل ووصف للرحلة وصولًا إلى الشخص الذي سيمدحه، وغلب على قصائده في المدح التصنع والخلو من الصدق العاطفي ويظهر ذلك في أنه كرر عددًا من الأبيات المشهورة في الشعر العربي القديم، في أكثر من قصيدة رغم اختلاف الأشخاص الموجهة لهم تلك القصائد.

 

بقلم\ هدير أشرف