أحد أعلام الأدب الأندلسي: ابن زمرك

 

لننتقل إلى شاعر آخر ممن زخر وازدهر بشعرهم الشعر الأندلسي، ألا وهو الشاعر الأندلسي: ابن زمرك،​​ 

يعد ابن زمرك واحدًا من أشهر شعراء العصر الأندلسي واسمه محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي، وكنيته أبو عبدالله، من مواليد غرناطة بشرق الأندلس، وتتلمذ على يد لسان الدين بن الخطيب وغيره من كبار الأدباء والفقهاء، أخذ ابن زمرك يترقي في أعمال الكتابة حتى جعله صاحب غرناطة -الغني بالله- كاتمًا لسره، ثم المتصرف برسالته وحجابته.​​ 

أما فيما يخص شعر ابن زمرك فلقد كان شعرًا ذو منزلة عالية، ومكانة رفيعة بين الأشعار التي وردت في أدب الأندلس، وبدون إطالة ها لننتقل إلى روائع ابن زيدون في الشعر..

 

حُفر عدد من ​​ قصائده على جدران قصر الحمراء الشهير، فدخوله القصر من البداية كان بسبب تميزه في كتاباته وتذوقه العالي للأدب، وهذه أبياته التي تم حفرها على عدد من الجدران:

  • فبين يدي مولاي قامت لخدمة  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ومن خدم الأعلى استفاد المعاليا.

  • فيا ابن العلى والحلم والبأس والندى  ​​ ​​ ​​​​ ومن فاق آفاق النجوم إذا انتمى.

  • تمد لها الجوزاء كف مصافح  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ويدنو لها بدر السماء مناجيا.

  • "وتهوى النجوم الزهر لو ثبتت به  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ولم تك في أفق السماء جواريا.

 

كان ذلك العصر بمثابة العصر الذهبي لابن زمرك، فنجد أن الاستعارات الملكية كثرت بجانب الاستعارات الفردوسية في قصائده الجدارية، خاصة في تلك القصائد بفناء الريحان الكبير بالقصر فهندسته المستطيلة الشكل ألهمت ابن زمرك موشحة بديعة قال فيها:​​ 

قدومًا من باحةِ الريحان

أنا مَجلاةُ عروسٍ

ذات حسن وكمال

فانظر إلى الإبريق تعرف

فضل صدقي في مقالِ

وبانتقالنا بين جدران القصر المختلفة، نجد إحدى قصائد ابن زمرك التي سُميت بـ"جنة الجنان" عند باب الكباش، والتي يقول فيها:

قصرٌ بديع الحسن والإحسان  ​​ ​​ ​​​​ لاحت عليه جلالة السلطان

 

تنوعت قصائد ابن زمرك في البحور ما بين 🙁 الكامل، الطويل، الخفيف، المجتث، السريع) وسنستعرض معكم فيما يلي مقتطفات من كل بحر من هذه البحور الشعرية لنرى ونشعر بما فيها من روعة معبرة عن مدى بلاغة ورقة قائلها:

بحر الكامل:​​ 

  • يقول في قصيدته القصيرة​​ يا أيها المولى الذي أيامه:

يا أيها المولى الذي أيامه

تهمي بسحب الجود من آلائِهِ

أَبْشِرْ لجيشك بالسعادة كلّها

يَغزو ونصر الله تحت لوائهِ

 

  • وفي إحدى قصائده العامة يقول:​​ 

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ إذا رأيت بروق الشيب قد بسمت  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ بمفرقٍ فمُحيَّا العيش قد كَلَحَا

يلقى المشيبَ بإجلال وتكرِمةٍ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ من قد أعدّ من الأعمال ما صَلَحَا

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ أمّا ومثليَ لم يبرحْ يُعلِّلُهُ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ من النسيم عليلٌ كلمّا نَفَحا

بحر الطويل:​​ 

من أشهر قصائده في بحر الطويل قصيدة​​ ​​ لمن قبة حمراء مد نضارها​​ والتي قال فيها:

لمن قبةٌ حمراء مُدْ نُضارُها  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ تطابق منها أرضُها وسماؤُها

وما أرضها إلا خزائنُ رحمةٍ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وما قد سما من فوق ذاك غطاؤُها

وقد شبّه الرحمن خلقتنا به  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وحسبُك فخراً بان منه اعتلاؤُها

 

 

 

وقصيدته​​ وحقك ما استطعمت بعدك غمضة:​​ 

وحقّك ما استطعمت بعدك غمضةً  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ من النوم حتى آذنَ النجم بالغروبْ

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وعارضتُ مسرى الريح قلتُ لعلَّها  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ تنمُّ بريّا منك عاطرةِ الهبوبْ

إلى أن بدا وجهُ الصباح كأنه  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ مُحَيَّاك إذ يجلو بغرته الخطوبْ

فقلتُ لقلبي استشعرِ الأنس وابتهج  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ فإن تبعد الأجسام لم تبعد القلوبْ

وسِرْ في ضمان الله حيث توجَهت  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ركابُك لا تخشَ الحوادث أن تنوبْ

 

بحر الخفيف:​​ 

ومن قصائد ابن زمرك في بحر الخفيف قصيدته​​ كابن نصر تراه في الحرب ليثا​​ التي قال فيها:

كَابْن نصرٍ تراه في الحرب ليثاً  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وهو بدر الندى وغيث السماح

ذكره قد ثنى قدود الندامى  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وأعاد الحياةَ في الأقداحِ

بحرالمجتث:​​ 

قال ابن زمرك في هذا البحر واحدة من أجمل قصائده وهي قصيدة​​ رفعت قوس سمائي:

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ رفعت قوسَ سمائي  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ يُزهى بتاج الهلالِ

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ قد قلَّدتْه نقوشي  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ دُرَّ الدراري العوالي

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ترى الأباريق فيه  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ تُهديك عذْبَ الزلالِ

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ قد زان قصريَ سعدٌ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ بسعده المتوالي

 

بحرالسريع:

قال ابن زمرك:

يا فرَجاً علَّلْتُ نفسِي به  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ والفال محبوب لتعليلِهِ

حرَمتُ إحليلك هذا على  ​​ ​​ ​​​​ نفسي وأَفتيْتُ بتحليلِه

أما عن موشحات ابن زمرك فهي لا حدود لرقتها وبلاغتها فنجد مثلا في موشحه​​ وجه هذا اليوم باسم:

 

وَجْهُ هذا اليومِ باسِمْ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وشَذَا الأزهارِ ناسِمْ

هَاتِهَا صَاحِ كُؤُوسَا  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ جالباتٍ للسُرورِ

وارتقبْ منها شُموسَا  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ طالعاتٍ في حُبورِ

ما ترى الروض عَروسَا  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ في حُلى نَوْرٍ ونُورِ

 

أما عن وطنيته فنجدها في موشحه​​ نسيم غرناطة عليل:

نسيمُ غرناطةٍ عَليلُ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ لكنَّهُ يُبْرئُ العليلْ

وروضُها زهرهُ بليلُ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ورشفُهُ ينقَعُ الغَليلْ

سَقَى بنجدٍ رُبَى المصَلَّى  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ مباكراً روضَهُ الغَمامْ

فَجَفْنُهُ كلما استهلاَ  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ تبسَّمَ الزهْرُ في الكِمامْ

والروض بالحسن قد تحلى  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ وجَرَّدَ النهر عن حُسامْ

 

 

كان لابن زمرك خمس عشرة موشحة أغلبها مادحًا السلطان الغني بالله، وإحداها مادحًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما اشتهر بعدد من الموشحات الصبحية التي يكتب فيها عن وداع صاحبته في الصباح، وإلى هنا فنودع ابن زمرك آخر المبدعين في العصر الأندلسي، فعندما أساء ابن زمرك إلى عدد من رجال الدولة، كانت النتيجة أن أرسلوا إليه من يقتله وهو بداره والمصحف بين يديه، وقُتل من كان معه من خدم وأبناء، ثم قام السلطان ابن الأحمر بجمع أشعار ابن زمرك في مجلد ضخم أُطلق عليه​​ البقية والمدرك من كلام ابن زمرك،​​ وبذلك يرحل عن عالم الأدب والشعر ابن زمرك ويبقى شعره وأدبه من بعده يتوارثهما الأجيال المتعاقبة حتى يومنا هذا.

 

بقلم\ هدير أشرف