أبو حيان الأندلسي

 

في إحدى ضواحي مدينة غرناطة الأندلسية وُلد إمام عصره في النحو والتفسير والحديث، صاحب البحر المحيط في التفسير، وُلد​​ أثير الدين محمد بن يوسف، وكنيته أبي حيان في آخر شوال​​ 654هـجريًا، ونشأ وتعلم فيها، فقد كان دائم التردد على حلقات العلم التي كانت منتشره آنذاك في المساجد، وكانت حينها غرناطة كبرى حواضر العلم بالأندلس بعد انحسار دولة الإسلام وتقلص أراضيها في الأندلس، وكان الحديث والفقه من المواضيع التي درسها أبو حيان ولكن نفسه مالت نحو تعلم اللغة والنحو والقراءات، فأقبل على تعلمها بهمة عالية ورغبة شديدة.

 

أساتذته:

تتلمذ أبو حيان على يد عدد من كبار العلماء والأدباء ومنهم:

  • أبي جعفر بن الزبير.

  • ابن أبي الأحوص.

  • أبي الحسن الأبذى.

كما أنه أخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، ودرس الفقه والأصول والحديث والتفسير؛ ولم يكتفِ بذلك، بل طوف يقابل الشيوخ الأعلام في جميع أرجاء الأندلس، ويتتلمذ على أيديهم، فرحل إلى مالقة والمرية، ثم بدأت رحلته الكبرى إلى بلاد المشرق.​​ 

​​ 

رحلته إلى الشرق واستقراره في القاهرة:

لم يكتفِ أبو حيان بما نهله من علم في الأندلس بل بعد كل هذا بدأ رحلته الكبرى نحو بلاد المشرق، فقد خرج وهو ابن الخامسة والعشرين من عمره متجهًا نحو بلاد المشرق فنزل بكل من جاية وتونس والإسكندرية، ثم توجه إلى أم القرى​​ مكة-​​ وأتم بها فرضة الحج، ثم توجه عائدًا إلى مصر مرة أخرى، فكان لا ينزل ببلدة إلا واتصل بشيوخها وتعلم منهم وتلقى عنهم، فعدد الشيخ الذين تعلم منهم لا يحصى، ويعتبر بهذا أكثر من اشتهر من النحاة بكثرة شيوخه، فيقول هو نفسه في ذلك الأمر:​​ وجملة الذين سمعت منهم أربعمائة شخص وخمسين، وأما الذين أجازوني فعالم كثير جدًا من أهل غرناطة ومالقة وسبتة وديار إفريقيا وديار والحجاز والعراق والشام“.

وعندما حل أبو حيان بالقاهرة، كانت حينذاك في أزهى فتراتها العلمية وأكثرها ازدهارًا، فاستقبلته أحسن استقبال نظرًا لما قد سبق ووصوله من شهرة وحسن صيت في علم النحو، ولم تبخل عليه بما يستحقه من من تقدير وإجلال، فأسندت إليه تدريس الحديث في المدرسة النصورية، وفي الوقت الذي صار فيه شيخًا يُشار إليه بالبنان كان تلميذًا في حلقة العالم الكبير بهاء الدين ابن النحاس يتلقى عليه القراءات، فلما توفى ابن النحاس خلفه أبو حيان في حلقته، وجلس مكانه لإقراء الناس القرآن، وعهد إليه بتدريس النحو في جامع الحاكم بالقاهرة عام​​ 704هـجريًا.

زادت شهرته وطالت حياته في القاهرة والتف حوله طالبي العلم من كل حدب وصوب، ولم يتوان ف إبداء إعجابه بالأذكياء من ​​ طلابه، وكان لا يتأخر في مساعدتهم ومد يد العون له، وكان أيضًا يتودد لهم دون أن يمنعه جلال منصبه ولا عظم هيبته أن يفعل ذلك معهم، مما ساهم في تألق وعلو منزلة عدد منهم في حياتهم وحصولهم على أعلى المنازل.

 

 

شعر أبي حيان الأندلسي:

  • ولم يكن عند أبي حيان مطمع في منصب أوجاه مثلما كان يفعل بعض العلماء، ولكنه استغنى عن ذلك بالانشغال في تحصيل العلم وتدريسه، والإخلاص في نشره، ولم يجد في غيره لذة وسعادة كالتي يجدها حين يقرأ كتابا أو يطالع مسألة من العلم، وعبر هو عن ذلك بأبيات رقيقة من الشعر، قال فيها:

 

أعاذِلَ ذَرني وَاِنفِرادي عَن الوَرى​​ * * *فَلَستُ أَرى فيهم صَديقاً مصافِيا

نَداماي كُتبٌ أَستفيدُ علومَها​​ * * *​​ أَحبّايَ تُغني عَن لِقائي الأَعادِيا

وَآنَسُها القُرآنُ فَهوَ الَّذي بِهِ​​ * * *​​ نَجاتي إِذا فَكَّرتُ أَو كُنتُ تالِيا

لَقَد جُلتُ في غَربِ البِلادِ وَشَرقِها​​ * * *​​ أُنَقِّبُ عَمن كانَ لِلّهِ داعِيا

فَلم أَرَ إِلا طالِباً لرياسةٍ​​ * * *​​ وَجمّاعَ أَموالٍ وَشَيخاً مرائِيا

 

يمكن أن تندرج هذه القصيدة تحت غرضين من الأغراض الشعرية الأول هو الهجاء والثاني هو الزهد؛ فيقول أبو حيان ف الأبيات أنه نأى بنفسه عن جميع الخلق حوله فهو لم يجد فيهم صديق وفي، وصافي القلب والنفس، فهل يعقل أن يندم على قراءته كتب يستفيد من علومها ويحب لقاء من يعرف أنهم يكنون له العداوة والبغض!​​ فلقد اتخذ من القرآن مؤنسًا له، ورفيقًا لروحه، كما أنه قد جاب البلاد شرقها وغربها ليس لغرض سوى أن يحقق غاية الله فيه من العلم، ولكنه وجد من يفعلون مثله ولكنهم غير طالبين للعلم في بواطن الأمور وإنما منهم من يريد الحكم ومنهم من يريد المال وآخر يظهر عكس ما يبطن.

 

  • قد نظن لوهلة أنه بعد هذا لم يرد له شعرًا في المدح، ولكن كان لأبي حيان أبيات من أروع ما قيل في المدح لكنه لم ينظمها بغض التودد والتقرب من الأمراء والسلاطين كما يفعل بعض الشعراء أو بغرض الحصول على المال كما يفعل البعض الآخر وإنما كتبها حبًا واختيارًا ورغبة منه فكان ممن مدحهم في شعره محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان​​ الرسائل​​ في مصر، و نجم الدين الإسكندري،و​​ صدر​​ الدين​​ بن​​ الوكيل، وخليل من أيبك الصفدي، والقاضي ناصر الدين شافع،.​​ وقد فطن إلى هذه الظاهرة صدر الدين بن الوكيل حين زاره ابن حيان في منزله فلم يجده، فكتب له على مصراعي الباب ما يفيد أنه حضر للزيارة، فلما جاء ابن الوكيل وقرأ ما كتبه ابن حيان على الباب قال:

قالوا:​​ أبو حيان​​ –​​ غير مدافعملك النحاة، فقلت بالإجماع

 ​​ ​​​​ اسم الملوك على النقود:​​ وإننيشاهدت كنيته على المصراع

 

​​ 

 

  • ويمكن أن نرى براعته في الشعر الرومانسي من خلال هذين البيتين:

لَئِن ظَهَرت في مُقلةِ الحب حُمرَةٌ​​ * * *​​ فَما ذاكَ داءٌ يُختشى مِن بَقائِهِ

وَلَكِنَّها سَيفٌ أَصابَت ادَا الهَوى​​ * * *​​ فَطارَ رَشاشٌ نَحوَها مِن دِمائِهِ

 

ففيهما يشبه أبو حيان الحب والعشق بالسيف الحاد الذي إذا ما أصاب قلب الإنسان تمكن منه ولا مرد لذلك في شيء.

 

  • وله قصيدة بعنوان​​ يومنا يشبه أمس​​ يقول فيها​​ :

يَومنا يُشبِهُ أَمسِ​​ * * *​​ مِثلَما نُصبِحُ نُمسي

إِنّ هَذي لحياةٌ​​ * * *​​ ما تُساوي عُشرَ فِلسِ

يظهر من خلال هذين البيتين أنه يعبر عن تشابه الأيام ببعضها فاليوم كالأمس وسيكون الغد مثلهما بلا أي جديد يذكر، فحياة كهذه الحياة بلا أي تغيير لا تساوي أي شيء يذكر على الإطلاق.

 

إلى هنا فقد وصلنا إلى ختام ونهاية مقالنا ولكن بلاغة وروعة شعر أبي حيان الأندلسي أبدًا ما تنتهي.

 

بقلم| هدير أشرف