أبو إسحاق الألبيري

 

نستكمل معكم ما حديثنا عن نابغة الأندلس والأدب العربي أبي إسحاق الألبيري،

 

من أبرز ما تركه من قصائد:

 

  • تفتّ فؤادك الأيام فتا.

  • تغازلني المنية من قريب.

  • أحمامة البيدا أطلت بكاك.​​ 

  • من ليس بالباكي ولا المتباكي.

  • لو كنت في ديني من الأبطال.​​ 

  • ألا خبر بمنتزح النواحي.

  • الشيب نبه ذا النهى فتنبها.

  • قد بلغت الستين ويحك فاعلم.​​ 

  • كأني بنفسي وهي في السكرات.​​ 

  • ما أميل النفس إلى الباطل.

  • أنت المخاطب أيها الإنسان.​​ 

  • قالوا ألا تستجد بيتا.​​ 

  • ألفت العقاب حذار العقاب.

  • يا أيها المغتر بالله.​​ 

  • ما عيدك الفخم إلا يوم يُغفر لك.

  • أي خطيئاتي أبكي دما.

  • ألا حي العقاب وقاطنيه.

 

كل هذه عناوين لبعض من قصائده التي وردت في ديوانه السالف ذكره في مقالنا السابق، والذي كان يسمى بـ “ديوان أبي إسحاق الألبيري الأندلسي”​​ وقد تم طباعة ذلك الديوان بأحد دور النشر التي تسمى ب دار الفكر، والتي تقع بمدينة دمشق االسورية؛ ويتكون الديوان من جزء واحد يشمل جميع قصائده، ويتبعه فهرس لجميع أسماء الأعلام والشخصيات المعروفة والبارزة التي ذُكرت فيه، ثم يليه فهرسًا للقوافي مما يسهل على القاريء مهمة الوصول إلى القصيدة التي يريد أن يقرأها أو يقتبس منها. ​​ 

 

 

 

 

 

 

 

 

في قصيدته​​ ألفت العقاب حذار العقاب​​ يقول:​​ 

 

أَلِفتُ العُقابَ حِذارَ العِقابِ * * *وَعِفتُ المَوارِدَ خَوفَ الذِئابِ

وَأَبغَضتُ نَفسي لِعِصيانِها * * * وَعاتَبتُها بِأَشَدِّ العِتابِ

وَقُلتُ لَها بانَ عَنكِ الصَبا * * * وَجَرَّدَكِ الشَيبُ ثَوبَ الشَبابِ

وَما بَعدَ ذَلِكَ إِلّا البِلى * * * وَسُكنى القُبورِ وَهَولُ الحِسابِ

 

يوضح أبو إسحاق في هذه الأبيات كثرة لومه لنفسه على كثرة عصيانها، وأنه أصبح شديد القسوة والغلظة عليها بكثرة عتابه لها، مذكرًا إياها بأنها قد شابت ولم يصبح هو ذاك الشاب الذي أمامه متسع العمر حتى ترتكب الذنوب، فيذكرها بالموت وما فيه، فإنكِ أيتها النفس مهما فعلتي عليك أن تتذكري ما بعد الموت من ظلمة في القبور وحساب على كل ما تم ارتكابه.

​​ 

ومن أجمل وأروع ما كتبه في المناجاة:

 

أَتَيتُكَ راجِياً يا ذا الجَلالِ * * * فَفَرِّج ما تَرى مِن سوءِ حالي

عَصَيتُكَ سَيِّدي وَيلي بِجَهلي * * * وَعَيبُ الذَنبِ لَم يَخطُر بِبالي

إِلى مَن يَشتَكي المَملوكُ إِلّا * * * إِلى مَولاهُ يا مَولى المَوالي

لَعَمري لَيتَ أُمّي لَم تَلِدني * * * وَلَم أُغضِبكَ في ظُلمِ اللَيالي

فَها أَنا عَبدُكَ العاصي فَقيرٌ * * * إِلى رُحماكَ فَاِقبَل لي سُؤالي

فَإِن عاقَبتَ يا رَبّي تُعاقِب * * * مُحِقّاً بِالعَذابِ وَبِالنَكالِ

وَإِن تَعفُ فَعَفوُكَ قَد أَراني * * * لِأَفعالي وَأَوزاري الثِقالِ

 

 

تكشف هذه الأبيات عن عبد عاصٍ يناجي ربه بكل ما في نفسه من ندم وتأنيب وحزن، راجيًا رحمة مولاه فيستهل مناجاته موجهًا الحديث لرب العالمين بأنه قد قصد بابه راجيًا من الرحمة والرفق بحاله وسائلًا ربه بأن يصلح سوء حاله هذا، ثم يقر بعصيانه لله ويقول أنه جهل بأن ذنوبه ستسبب له كل هذا الشقاء، ثم يرجو ربه بنداء كله فقر وخضوع له سبحانه، فيقول له إلى من يشتكي إن لم يشتكي لله فكله لله من الأساس، ويتمنى لو أنه لم يولد من الأساس طالما أنه كان سيعصي ربه، ثم يعود إلى افتقاره لربه فيقول له أنه لا يرجو سوى مغفرته وعفوه ثم يثر بأنه إذا عوقب فهذا تمام العدل وهذا ما يستحقه مهما كان العقاب ولكنه يرجو رغم ذلك رحمة ربه وهو واثقًا بها.

 

 

 

 

 

 

 

قصيدة​​ أحمامة البيدا أطلت بكاك:

 

هناك بعض الشعراء استخدموا الحمام كرمز في أشعارهم للتعبير عن العواطف الدينية، كما أنهم صوروا من خلال الحمام مشاعر الحب الطاهر العفيف، والمناجاة الرقيقة العذبة، وكان أبو إسحاق الإلبيري أحد هؤلاء الشعراء وهو الذي ربط وقارن بين بكاء الحمامة وشدوها، مع بكاء التائب إلى الله تعالى من ذنوبه ومعاصيه، فقال:

 

أَحَمَـامَـةَ البَيْـدا أَطَلتِ بُكـاكِ * * * فَبِحُسْنِ صَوْتُـكِ مَـا الَّـذي أَبْكَـاكِ

إِنْ كَـانَ حَقَّـاً مَـا ظَنَنْتُ فَـإِنَّ بِـي * * * فَـوْقَ الَّـذي بِـكِ مِـنْ شَديـدِ جَـوَاكِ

 ​​ ​​​​ إِنِِّـي أَظُنُّـكِ قَـد دُهِيتِ بِفُـرقَـةٍ * * * مِـنْ مُؤْنِـسٍ لَـكِ فَـارتَمَضْتِ لِـذَاكِ

 

يخاطب الشاعر حمامة ويقول بها بأنها قد أطالت بكائها، ويسألها بصوتها الشجي ما الذي قد ابكاها، ثم يقول بأنه قد علم في نفسه سبب بكائها هذا، لأنه أيضًا يعاني ويبكي مثلها، فثد تكون الحمامة تبكي مما دهاها من فراق وهجر عن مؤنسها، وهو أيضًا يبكي بكاء التائب لربه والمقر بذنبه، فيوضح قائلًا:

 

أنا إِنَّما أَبكي الذُنوبَ وَأَسرِها * * * وَمُنايَ في الشَكوى مَنالُ فَكاكي

وَإِذا بَكَيتُ سَأَلتُ رَبي رَحمَةً * * * وَتَجاوزاً فَبُكايَ غَيرُ بُكاكِ

 

فأنا أيتها الحمامة تبكيني ذنوبي وزلاتي وخطيئتي، وكل أمنيتي ورجائي هي أني رحمني ربي ويتجاوز عن سيئاتي، اذهبي أيتها الحمامة فكلانا يبكي ولكن أسبابناليست نفسها.

 

 

تائية أبي إسحاق الألبيري:

 

كما ذكرنا مسبقًا أنه من أسباب شهرة أبي إسحاق الواسعة هي التائية الشهيرة التي كتبها ونظمها على قافية التاء المطلقة،

كما أن بها الكثير والكثير من اجليل وعظيم المعاني، وبها حث وتشجيع على طلب العلم والاتزادة منه ، فقد كان يخاطب ابنه بهذه التائية وتعمد استخدام التحفيز في بناء معانيها ، وتعمد أيضًا ذكر ما للعلم من دور في رفع مكانة صاحبه وحامله عاليًا، وجعله ذا شأن وقدر وسط جموع الناس.

 

يسرد في تلك التائية ما يعود به الزمن على الإنسان من تعب وحزن وأوجاع وهموم، وغفلة الإنسان الإنسان في غفلة عن حياته ومستقبله، ثم يبدأ بالتحفيز على طلب العلم وما له من أثر ودورعظيم في حياة الإنسان، ويوضح أنه يعادل السيف في قوته والدفاع عن صاحبه:​​ 

هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو * * * تُصيبُ بِهِ مَقاتِلَ ضَرَبتا

 

​​ وأن العلم هو مصدر قوة الإنسان وبأسه، وأنه الغنى الحقيقي لصاحبه، فهو يعادل المال والكنوز الثمينة بل هو أغلى:

 

وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيهِ لِصّاً * * * خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا

 

 

​​ ويؤكد أيضًا على أهمية نشر العلم، وأنه يزداد كلما أعطى منه الإنسان، ويكون نبعًا لا ينضب:

 

يَزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ * * * وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا

 

وفي ذات الوقت يؤكد على أن من يتعلم ​​ بدون استفادة من العلم فالجهل أفضل له:

 

إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً * * * فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا

 

. كما ويؤكد على كل طالب علم أنه إن أهمل كلامه ونصائحه سيندم لا محالة ولكن حين لا ينفع الندم، وسيشعر بفداحة خسارته عندما يرى أصحابه قد سبقوه وارتفعوا بعلمهم واجتهادهم وهو في مكانه واقفًا:

وَتَذكُرُ قَولَتي لَكَ بَعدَ حينٍ * * * وَتَغبِطُها إِذا عَنها شُغِلتا

لَسَوفَ تَعَضُّ مِن نَدَمٍ عَلَيها * * * وَما تُغني النَدامَةُ إِن نَدِمتا

إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ * * * قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلت

 

​​ ثم يستشهد بالقرآن الكريم ذاكرًا سورة طه وما فيها من تفضيل للعلم على المال والغنى المادي:

 

وَبَينَهُما بِنَصِّ الوَحيِ بَونٌ * * * سَتَعلَمُهُ إِذا طَهَ قَرَأتا

لَئِن رَفَعَ الغَنيُّ لِواءَ مالٍ * * *لَأَنتَ لِواءَ عِلمِكَ قَد رَفَعتا

 

​​ وبعدها يكمل في معاني الزهد من هذه الدنيا، والنصح بعدم الحزن على ما فات منها، والنظر إلى المستقبل وما فيه من العلم وأهميته ودوره في بناء الأجيال والمجتمعات، وكل هذا أورده ابو إسحق مستندًا إلى تجارب كثيرة مر بها وتبين له من خلالها أن العلم هو الذي يرفع صاحبه وينجيه ويغنيه، وأن القوة والجاه والسلطان والأموال لا يساوون أي شيء أمام العلم والمعرفة، بل إن العلم هو الذي يؤدي إلى كل هذه الأمور لا العكس:

وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا * * * لَأَنتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستا

وَإِن رَكِبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ * * * لَأَنتَ مَناهِجَ التَقوى رَكِبتا

وَمَهما اِفتَضَّ أَبكارَ الغَواني * * * فَكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتا

 

بقلم| هدير أشرف